المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

56- إن الذين جحدوا حُجَجَنَا البينات ، وكذَّبوا الأنبياء ، سوف ندخلهم النار التي تُكْوَى بها جلودهم ، وكلما فقدت الإحساس بالعذاب بدَّلهم الله جلوداً غيرها جديدة ليستمروا في ألم العذاب ، إن الله تعالى غالب على أمره ، حكيم في فعله ، يعذب من جحد به وأصرَّ على ذلك حتى مات{[42]} .


[42]:تدل الآية الكريمة على شدة العذاب الذي تعرض له أصحاب النار بدليل ما تقره الحقيقة العلمية من أن الأعصاب المنتشرة في طبقات الجلد هي أكثر الأعصاب حساسية لمختلف المؤثرات من حرارة وبرودة.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا }

أي : عظيمة الوقود شديدة الحرارة { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أي : احترقت { بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } أي : ليبلغ العذاب منهم كل مبلغ . وكما تكرر منهم الكفر والعناد وصار وصفا لهم وسجية ؛ كرر عليهم العذاب جزاء وِفاقا ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } أي : له العزة العظيمة والحكمة في خلقه وأمره ، وثوابه وعقابه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا [ سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ] }{[7758]} الآية ، أي ندخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم ، وأجزائهم . ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم ، فقال : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال [ الأعمش ، عن ابن عمر ]{[7759]} إذا أحرقت جلودهم بدلوا جلودًا بيضا أمثال القراطيس . رواه ابن أبي حاتم .

وقال يحيى بن يزيد الحضرمي إنه بلغه في قول الله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال : يجعل{[7760]} للكافر مائة جلد ، بين كل جلدين لون من العذاب . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام ، عن الحسن قوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ]{[7761]} } الآية . قال : تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة . قال حسين : وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن : كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم : عودوا فعادوا .

وقال أيضا : ذكر عن هشام بن عمار : حدثنا سعيد بن يحيى - يعني سعدان - حدثنا نافع ، مولى يوسف السلمي البصري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قرأ رجل عند عمر هذه الآية : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا } فقال عمر : أعدها علي فأعادها ، فقال معاذ بن جبل : عندي تفسيرها : تبدل في ساعة مائة مرة . فقال عمر : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه ابن مردويه ، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم ، عن عبدان بن محمد المروزي ، عن هشام بن عمار ، به . ورواه من وجه آخر بلفظ آخر فقال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمران ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع أبو هرمز ، حدثنا نافع ، عن ابن عمر قال : تلا رجل عند عمر هذه الآية : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ]{[7762]} } الآية ، قال : فقال عمر : أعدها على - وثم كعب - فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا عندي تفسير هذه الآية ، قرأتها قبل الإسلام ، قال : فقال : هاتها يا كعب ، فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك ، وإلا لم ننظر إليها . فقال : إني قرأتها قبل الإسلام : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة " . فقال عمر : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال الربيع بن أنس : مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعا ، وسنه تسعون ذراعًا ، وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه ، فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها .

وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا ، قال{[7763]} الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا أبو يحيى الطويل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يعظم أهل النار في النار ، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا ، وإن ضرسه مثل أحد " .

تفرد به أحمد من هذا الوجه{[7764]} .

وقيل : المراد بقوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أي : سرابيلهم . حكاه ابن جرير ، وهو ضعيف ؛ لأنه خلاف الظاهر .


[7758]:زيادة من ر، أ.
[7759]:زيادة من ر، أ.
[7760]:في د: "إنه يجعل".
[7761]:زيادة من ر.
[7762]:زيادة من ر، أ.
[7763]:في د، ر: "فقال".
[7764]:المسند (2/26).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } . .

هذا وعيد من الله جلّ ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار برسوله . يقول الله لهم : إن الذين جحدوا ما أنزلت على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم من آياتي ، يعني من آيات تنزيله ووحي كتابه ، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، فلم يصدّقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به¹ { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نارا } يقول : سوف ننضجهم في نار يَصْلُوْن فيها : أي يشوون فيها . { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } يقول : كلما انْشَوَتْ بها جلودهم فاحترقت ، { بَدّلْناهُمْ جُلودا غيرَها } يعني : غير الجلود التي قد نضجت فانشوت . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن ثوير ، عن ابن عمر : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَها } قال : إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضا أمثال القراطيس .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نارا كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَها } يقول : كلما احترقت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } قال : سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأوّل أن جلد أحدهم أربعون ذراعا ، وسنّه سبعون ذراعا ، وبطنه لو وضع فيه جبل لوَسِعَهُ ، فإذا أكلت النار جلودهم بُدّلوا جلودا غيرها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : بلغني عن الحسن : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَها } قال : نُنضجهم في اليوم سبعين ألف مرّة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، قوله : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَها } قال : تنضج النار كل يوم سبعين ألف جلد ، وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعا ، والله أعلم بأيّ ذراع .

فإن سأل سائل ، فقال : وما معنى قوله جلّ ثناؤه : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدّلْناهُمْ جُلودا غيرَها } ؟ وهل يجوز أن يبدّلوا جلودا غير جلودهم التي كات لهم في الدنيا ، فيعذّبوا فيها ؟ فإن جاز ذلك عندك ، فأجز أن يبدّلوا أجساما وأرواحا غير أجسامهم وأوراحهم التي كانت لهم في الدنيا فتعذّب ! وإن أجزت ذلك ، لزمك أن يكون المعذّبون في الاَخرة بالنار غير الذين أوعدهم الله العقاب على كفرهم به ومعصيتهم إياه ، وأن يكون الكفار قد ارتفع عنهم العذاب ! قيل : إن الناس اختلفوا في معنى ذلك ، فقال بعضهم : العذاب إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم ، وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب ، وأما الجلد واللحم فلا يألمان . قالوا : فسواء أعيد على الكافر جلده الذي كان له في الدنيا ، أو جلد غيره ، إذ كانت الجلود غير آلمة ولا معذّبة ، وإنما الاَلمة المعذّبة النفس التي تحسّ الألم ، ويصل إليها الوجع . قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، فغير مستحيل أن يخلق لكل كافر في النار في كل لحظة وساعة من الجلود ما لا يُحْصَى عدده ، ويحرق ذلك عليه ، ليصل إلى نفسه ألم العذاب ، إذ كانت الجلود لا تألم .

وقال آخرون : بل الجلود تألم ، واللحم وسائر أجزاء جِرْمِ بني آدم ، وإذا أحرق جلده أو غيره من أجزاء جسده ، وصل ألم ذلك إلى جميعه . قالوا : ومعنى قوله : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدّلْناهُم جُلُودا غيرَها } : بدلناهم جلودا غير محترقة ، وذلك أنها تعاد جديدة ، والأولى كانت قد احترقت فأعيدت غير محترقة ، فلذلك قيل غيرها ، لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا التي عصوا الله وهي لهم . قالوا : وذلك نظير قول العرب للصائغ إذا استصاغته خاتما من خاتم مصوغ ، بتحويله عن صياغته التي هو بها إلى صياغة أخرى : صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره ! فيكسره ويصوغ له منه خاتما غيره والخاتم المصوغ بالصياغة الثانية هو الأوّل ، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتما قيل هو غيره . قالوا : فكذلك معنى قوله : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدّلْناهُمْ جُلُودا غيرَها } لما احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الاحتراق ، قيل هي غيرها على ذلك المعنى .

وقال آخرون : معنى ذلك : { كُلّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } سرابيلهم ، بدلناهم سرابيل من قطران غيرها . فجعلت السرابيل القطران لهم جلودا ، كما يقال للشيء الخاصّ بالإنسان : هو جلدة ما بين عينيه ووجهه لخصوصه به . قالوا : فكذلك سرابيل القطران التي قال الله في كتابه : { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النّارُ } لما صارت لهم لباسا لا تفارق أجسامهم جُعلت لهم جلودا ، فقيل : كلما اشتعل القطران في أجسامهم واحترق بدّلوا سرابيل من قطران آخر . قالوا : أوما جلود أهل الكفر من أهل النار فإنها لا تحرق ، لأن في احتراقها إلى حال إعادتها فناءها ، وفي فنائها راحتها . قالوا : وقد أخبرنا الله تعالى ذكره عنها أنهم لا يموتون ولا يخفف عنهم من عذابها . قالوا : وجلود الكفار أحد أجزاء أجسامهم ، ولو جاز أن يحترق منها شيء فيفنى ثم يعاد بعد الفناء في النار ، جاز ذلك في جميع أجزائها ، وإذا جاز ذلك وجب أن يكون جائزا عليهم الفناء ثم الإعادة والموت ثم الإحياء ، وقد أخبر الله عنهم أنهم لا يموتون . قالوا : وفي خبره عنهم أنهم لا يموتون دليل واضح أنه لا يموت شيء من أجزاء أجسامهم ، والجلود أحد تلك الأجزاء .

وأما معنى قوله : { لِيَذُوقُوا العَذَابَ } فإنه يقول : فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدّته بما كانوا في الدنيا يكذّبون آيات الله ويجحدونها .

القول في تأويل قوله تعالى : { إنّ اللّهَ كانَ عَزِيزا حَكِيما } .

يقول : إن الله لم يزل عزيزا في انتقامه ممن انتقم منه من خلقه ، لا يقدر على الامتناع منه أحد أراده بضرّ ، ولا الانتصار منه أحد أحلّ به عقوبة ، حكيما في تدبيره وقضائه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

{ إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا } كالبيان والتقرير لذلك . { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى كقولك : بدلت الخاتم قرطا ، أو بأن يزال عنه أثر الإحراق ليعود إحساسه للعذاب كما قال : { ليذوقوا العذاب } أي ليدوم لهم ذوقه . وقيل يخلق لهم مكانه جلد آخر والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية المدركة لا لآلة إدراكها فلا محذور . { إن الله كان عزيزا } لا يمتنع عليه ما يريده . { حكيما } يعاقب على وفق حكمته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

تقدم في الآيات وصف المردة من بني إسرائيل وذكر أفعالهم وذنوبهم ، ثم جاء بالوعيد النص لهم بلفظ جلي عام لهم ولغيرهم ممن فعل فعلهم من الكفر ، والقراءة المشهورة { نُصليهم } بضم النون من أصليت ومعناه قربت من النار وألقيت فيها ، وهو معنى صليت بتشديد اللام ، وقرأ حميد «نَصليهم » بفتح النون من صليت ، ومعناه شويت ، ومنه الحديث ، أتي رسول الله بشاة مصلية ، أي مشوية{[4107]} ، وكذا وقع تصريف الفعل في العين وغيره ، وقرأ سلام ويعقوب «نصليهُم » بضم الهاء ، واختلف المتأولون في معنى تبديل الجلود{[4108]} ، فقالت فرقة : تبدل عليهم جلود غيرها ، إذ نفوسهم هي المعذبة والجلود لا تألم في ذاتها ، فإنها تبدل ليذوقوا تجديد العذاب{[4109]} ، وقالت فرقة : «تبديل الجلود » هو إعادة ذلك الجلد بعينه الذي كان في الدنيا ، تأكله النار ويعيده الله دأباً لتجدد العذاب ، وإنما سماه «تبديلاً » ، لأن أوصافه تتغير ثم يعاد ، كما تقول : بدل من خاتمي هذا خاتماً وهي فضته بعينها ، فالبدل إنما وقع في تغيير الصفات ، وقال ابن عمر ، كلما احترقت جلودهم بدلوا جلوداً بيضاء كالقراطيس ، وقال الحسن بن أبي الحسن ، تبدل عليهم في اليوم سبعين ألف مرة ، وقالت فرقة : الجلود في هذا الموضع سرابيل القطران{[4110]} ، سماها جلوداً للزومها فصارت كالجلود ، وهي تبدل دأباً عافانا الله من عذابه برحمته ، حكاه الطبري ، وحسن الاتصاف بعد هذه المقدمات بالعزة والإحكام ، لأن الله لا يغالبه مغالب إلا غلبه الله ، ولا يفعل شيئاً إلا بحكمة وإصابة ، لا إله إلا هو تبارك وتعالى .


[4107]:- راجع صفحة (29) من هذا الجزء هامش رقم (1).
[4108]:- تبديل الجلود يتم كلما نضجت، ومعنى نضج: أدرك واستوى، يقال: نضج اللحم قديدا وشواء ينضج نضجا ونضجا، وفلان نضيج الرأي: أي محكمه.
[4109]:- يُرد بذلك على من قال: كيف جاز أن يعذب جلدا لم يعصه؟ ومعنى ردّه هنا أن الجلد ليس بمعذب ولا معاقب، وإنما الألم واقع على النفوس لأنها هي التي تحس وتعرف، فتبديل الجلود زيادة في عذاب النفوس، يدل على ذلك قوله تعالى: {ليذوقوا العذاب} لأنه لو أراد الجلود لقال: ليذقن العذاب.
[4110]:- كما في قوله تعالى: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران} سميت جلودا للزومها جلودهم على المجاورة، فكلما احترقت السرابيل أعيدت: قال الشاعر: كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها فويل لتيم من سرابيلها الخضر فكنى عن الجلود بالسرابيل.