وقوله : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا } أي : اقرأه على تمهل ، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره . وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه ، قالت عائشة : كان يقرأ السورة فيرتلها ، حتى تكون أطول من أطول منها . وفي صحيح البخاري ، عن أنس : أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : كانت مدًا ، ثم قرأ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يمد بسم الله ، ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم{[29401]} .
وقال ابن جُرَيج ، عن ابن أبي مُلَيكة عن أم سلمة : أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان يقطع قراءته آية آية ، { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي . {[29402]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال لصاحب{[29403]} القرآن : اقرأ وارْقَ ، ورَتِّل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " .
ورواه أبو داود ، والترمذي والنسائي ، من حديث سفيان الثوري ، به{[29404]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقد قدمنا في أول التفسير الأحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة ، كما جاء في الحديث : " زَيِّنوا القرآن بأصواتكم " ، و " ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن " ، و " لقد أوتي هذا مزمار من مزامير آل داود " يعني : أبا موسى ، فقال أبو موسى : لو كنت أعلم أنك كنت تسمع قراءتي لحبَّرْته لك تحبيرا . {[29405]}
وعن ابن مسعود أنه قال : لا تنثروه نثر الرمل{[29406]} ولا تهذّوه هذّ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحركوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة . رواه البغوي . {[29407]}
وقال البخاري : حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا عمرو بن مرة : سمعت أبا وائل قال : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : قرأت المفصل{[29408]} الليلة في ركعة . فقال : هذّا كهذّ الشعر . لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن . فذكر عشرين سورة من المُفَصّل سورتين في ركعة . {[29409]}
وقوله : قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : قم الليل يا محمد كله إلا قليلاً منه ، نِصْفَهُ يقول : قم نصف الليل أو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أوْ زِدْ عَلَيْهِ يقول : أو زد عليه خَيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أيّ ذلك شاء فعل ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما ذُكر يقومون الليل ، نحو قيامهم في شهر رمضان فيما ذُكر حتى خفف ذلك عنهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن مسعر ، قال : حدثنا سماك الحنفي ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لما نزل أوّل المزمل ، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في رمضان ، وكان بين أوّلها وآخرها قريب من سنة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن مِسْعر ، قال : حدثنا سماك ، أنه سمع ابن عباس يقول ، فذكر نحوه . إلا أنه قال : نحوا من قيامهم في شهر رمضان .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن حيان ، عن موسى بن عبيدة ، قال : ثني محمد بن طَحْلاء مولى أمّ سلمة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل ، فتسامع به الناس ، فاجتمعوا ، فخرج كالمغضَب ، وكان بهم رحيما ، فخشي أن يُكتب عليهم قيام الليل ، فقال : «يا أيّها النّاسُ اكْلَفُوا مِنَ الأعْمال ما تُطِيقُونَ ، فإنّ الله لا يَمَلّ مِنَ الثّوَابِ حتى تَمَلّوا مِنَ العَمَلِ وخَيْرُ الأعْمالِ ما دُمْتُمْ عَلَيْهِ » ونزل القرآن : يأَيّها المُزّمّلِ قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردّهم إلى الفريضة وترك قيام الليل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن موسى بن عبيدة الحميري ، عن محمد بن طحلاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أشتري لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا ، فكان يقوم عليه من أوّل الليل ، فتسمع الناس بصلاته ، فاجتمعت جماعة من الناس فلما رأى اجتماعهم كره ذلك ، فخشي أن يكتب عليهم ، فدخل البيت كالمغضب ، فجعلوا يتنحنحون ويتسعّلون حتى خرج إليهم ، فقال : «يا أيّها النّاسُ إنّ اللّهَ لا يَمَلّ حتى تَمَلّوا يعني من الثواب فاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ فإنّ خَيْرَ الَعمَلِ أدْوَمُهُ وَإنْ قَلّ » ونزلت عليه : يأيّها المُزّمّلُ قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً السورة قال : فكتبت عليهم ، وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به فلما رأى الله ما يكلفون مما يبتغون به وجه الله ورضاه ، وضع ذلك عنهم ، فقال : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ . . . إلى عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فردّهم إلى الفريضة ، ووضع عنهم النافلة ، إلا ما تطوّعوا به .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلاً ، فشقّ ذلك على المؤمنين ، ثم خفّف عنهم فرحمهم ، وأنزل الله بعد هذا : عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ . . . إلى قوله فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ فوسع الله وله الحمد ، ولم يضيق .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : لما أنزل الله على نبيه : يأيّها المُزّمّلُ قال : مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله ، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ وثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الّذِينَ مَعَكَ . . . إلى قوله : وأقِيمُوا الصّلاةَ فخفّ الله عنهم بعد عشر سنين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة والحسن ، قالا : قال في سورة المزمل قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً نسختها الاَية التي فيها : عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنَ القُرْآنِ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً قاموا حولاً أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم ، فأنزل الله تخفيفا بعد في آخر السورة .
حدثنا ابن حميد ، . قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : لما نزلت : يأيّها المُزّمّلُ قاموا بها حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت : فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ فاستراح الناس .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جرير بياع المُلاء عن الحسن ، قال : الحمد لله تطوّع بعد فريضة .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن ، قال لما نزلت يأيّها المُزّمّلُ . . . الاَية ، قام المسلمون حولاً ، فمنهم من أطاقه ، ومنهم من لم يطقه ، حتى نزلت الرخصة .
قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزل أوّل المزّمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان ، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة .
وقوله : وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً يقول جلّ وعزّ : وبين القرآن إذا قرأته تبيينا ، وترسل فيه ترسلاً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علبة ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : اقرأه قراءة بينة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض .
حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض . على تؤدة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله الله وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : ترسل فيه ترسلاً .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض .
حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج ، عن عطاء وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : الترتيل النّبْذ : الطّرْح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال بينه بيانا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : بيّنه بيانا .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : بعضه على أثر بعض .