المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} (152)

152- فاذكروني - أيها المؤمنون - بالطاعة أذكركم بالثواب ، واشكروا لي ما أسبغت عليكم من النعم ولا تجحدوا هذه النعم بعصيان ما أمرتكم به .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} (152)

{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } فأمر تعالى بذكره ، ووعد عليه أفضل جزاء ، وهو ذكره لمن ذكره ، كما قال تعالى على لسان رسوله : { من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم }

وذكر الله تعالى ، أفضله ، ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وهو الذكر الذي يثمر معرفة الله ومحبته ، وكثرة ثوابه ، والذكر هو رأس الشكر ، فلهذا أمر به خصوصا ، ثم من بعده أمر بالشكر عموما فقال : { وَاشْكُرُوا لِي } أي : على ما أنعمت عليكم بهذه النعم ، ودفعت عنكم صنوف النقم ، والشكر يكون بالقلب ، إقرارا بالنعم ، واعترافا ، وباللسان ، ذكرا وثناء ، وبالجوارح ، طاعة لله وانقيادا لأمره ، واجتنابا لنهيه ، فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة ، وزيادة في النعم المفقودة ، قال تعالى : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } وفي الإتيان بالأمر بالشكر بعد النعم الدينية ، من العلم وتزكية الأخلاق والتوفيق للأعمال ، بيان أنها أكبر النعم ، بل هي النعم الحقيقية ؟ التي تدوم ، إذا زال غيرها وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عمل ، أن يشكروا الله على ذلك ، ليزيدهم من فضله ، وليندفع عنهم الإعجاب ، فيشتغلوا بالشكر .

ولما كان الشكر ضده الكفر ، نهى عن ضده فقال : { وَلَا تَكْفُرُونِ } المراد بالكفر هاهنا ما يقابل الشكر ، فهو كفر النعم وجحدها ، وعدم القيام بها ، ويحتمل أن يكون المعنى عاما ، فيكون الكفر أنواعا كثيرة ، أعظمه الكفر بالله ، ثم أنواع المعاصي ، على اختلاف أنواعها وأجناسها ، من الشرك ، فما دونه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} (152)

151

قال مجاهد في قوله : { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ }{[2958]} يقول : كما فعلت فاذكروني .

قال عبد الله بن وهب ، عن هشام بن سعيد ، عن زيد بن أسلم : أن موسى ، عليه السلام ، قال : يا رب ، كيف أشكرك ؟ قال له ربه : تذكرُني ولا تنساني ، فإذا ذكرتني فقد شكرتني ، وإذا نسيتني فقد كفرتني .

وقال الحسن البصري ، وأبو العالية ، والسدي ، والربيع بن أنس ، إن الله يذكر من ذكره ، ويزيد من شكره ويعذب من كفره .

وقال بعض السلف في قوله تعالى : { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [ آل عمران : 102 ] قال : هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا يُنْسَى ، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عمارة الصيدلاني ، حدثنا مكحول الأزدي قال : قلت لابن عمر : أرأيت قاتل النفس ، وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله ، وقد قال الله تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } ؟ قال : إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته ، حتى يسكت .

وقال الحسن البصري في قوله : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } قال : اذكروني ، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي .

وعن سعيد بن جبير : اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ، وفي رواية : برحمتي .

وعن ابن عباس في قوله { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }{[2959]} قال : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .

وفي الحديث الصحيح : " يقول الله تعالى : من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منه " .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : يا ابن آدم ، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي ، وإن ذكرتني في ملإ ذكرتك ، في ملإ من الملائكة - أو قال : [ في ]{[2960]} ملأ خير منهم - وإن دنوت مني شبرًا دنوت منك ذراعًا ، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا ، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول "

صحيح الإسناد : أخرجه البخاري من حديث قتادة{[2961]} . وعنده قال قتادة : الله أقرب بالرحمة .

وقوله تعالى : { وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } أمر الله تعالى بشكره ، ووعده على شكره بمزيد الخير ، فقال : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [ إبراهيم : 7 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا شعبة ، عن الفضيل{[2962]} بن فضالة - رجل من قيس - حدثنا أبو رجاء العطاردي ، قال : خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطْرف من خز لم نره{[2963]} عليه قبل ذلك ولا بعده ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه " . وقال روح مرة : " على عبده " {[2964]} .


[2958]:في ط: "فيكم" وهو خطأ.
[2959]:في هـ: "اذكروني" والمثبت من ط.
[2960]:زيادة من أ، والمسند.
[2961]:المسند (3/138) وصحيح البخاري برقم (7536).
[2962]:في أ: "عن الفضل".
[2963]:في أ: "لم يرد".
[2964]:المسند (4/438).