الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} (152)

{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } قال ابن عبّاس : أذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي بيانه قوله : { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا } [ العنكبوت : 69 ] الآية .

سعيد بن جبير : { فَاذْكُرُونِي } بطاعتي أذكركم بمغفرتي بيانه { وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ آل عمران : 132 ] .

فضيل بن عيّاض : فاذكروني بطاعتي أذكركم بثوابي بيانه { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } [ الكهف : 30-31 ] وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : " من أطاع الله فقد ذكر الله وإنّ قلّت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن " .

وقيل : اذكروني بالتوحيد والإيمان أذكركم بالجنّات والدرجات بيانه : { وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ . . . جَنَّاتٍ } [ البقرة : 25 ] .

وقال ابو بكر الصدّيق رضي الله عنه : كفى بالتوحيد عبادة وكفى بالجنّة ثواباً .

ابن كيسان : اذكروني بالشكر أذكركم بالزّيادة : بيانه قوله { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] .

وقيل : اذكروني على ظهر الأرض أذكركم في بطنها .

قال الأصفي : رأيت أعرابياً واقفاً يوم عرفة بالموقف وهو يقول : ضجّت إليك الأصوات بضروب اللّغات يسئلونك الحاجات وحاجتي إليك أن تذكرني عند البلى إذا نسيني أهل الدّنيا .

وقيل : أذكروني بالطّاعات أذكركم بالمعافاة ودليله { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } [ النحل : 97 ] .

وقيل : أُذكروني في الخلاء والملاء أذكركم في الجلاء والملأ بيانه ما روي في بعض الكتب إنّ الله قال : أنا عند من عبدني ، فليظن بي ما شاء ، وأنا معه إذا ذكرني ، فمن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في الملأ ذكرته في ملأ خير منه ، ومن تقربّ إليّ شبراً تقرّبت له ذراعاً ، ومن تقرّب إليّ ذراعاً ، تقرّبت إليه باعاً ومن أتاني مشياً أتيته هرولة ، ومن أتاني بقراب الأرض فضّة أتيته بمثلها مغفرة بعد أن لا يُشرك بي شيئاً .

وقيل : أُذكروني في النّعمة والرّخاء أذكركم في الشّدة والبلاء بيانه قوله { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الصافات : 143-144 ] .

قال سلمان الفارسي : إنّ العبد إذا كان له دُعاء في السّر ؛ فإذا انزل به البلاء قالت الملائكة : عبدك نزل به البلاء فيشفعون له فينجيه الله ، فإذا لم يكن له دُعاء قالوا : الآن فلا تشفعون له . بيانه لفظة فرعون { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } [ يونس : 91 ] .

وقيل : أُذكروني بالتسليم والتفويض أذكركم بأصلح الأختبار . بيانه { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطلاق : 3 ] .

وقيل : أُذكروني بالشوق والمحبّة أذكركم بالوصل والقربة .

وقيل : أُذكروني بالحمد والثناء أذكركم بالجزاء ، وقيل : أُذكروني بالأوبة أذكركم بغفران الحوبة ، وقيل : أُذكروني بالدُّعاء أذكركم بالعطاء ، أُذكروني بالسؤال أذكركم بالنوّال ، أُذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة ، أُذكروني بالندّم أذكركم بالكرم ، أُذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة ، أُذكروني بالإرادة أذكركم بالأفادة ، أُذكروني بالتنصّل أذكركم بالتفضل أُذكروني الإخلاص أذكركم بالخلاص ، أُذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب ، أُذكروني بلا نسيان أذكركم بالأمان ، أُذكروني بالأفتقار أذكركم بالاقتدار ، أُذكروني بالأعدام والاستغفار أذكركم بالرّحمة والإغتفار ، أُذكروني بالأيمان أذكركم بالجنان ، أُذكروني بالأسلام أذكركم بالأكرام ، أُذكروني بالقلب أذكركم برفع التعجب ، أُذكروني ذكراً فانياً أذكركم ذكراً باقياً ، أُذكروني بالإبتهال أذكركم بالأفضال ، أُذكروني بالظل أذكركم بعفو الزلل ، أُذكروني بالأعتراف أذكركم بمحو الاقتراف ، أُذكروني بصفاء السّر أذكركم بخالص البّر ، أُذكروني بالصّدق أذكركم بالرّفق ، أُذكروني بالصفَو أذكركم بالعفو ، أُذكروني بالتعظيم أذكركم بالتكريم ، أُذكروني بالتكبير أذكركم بالتطهير ، أُذكروني بالتمجيد أذكركم بالمزيد ، أُذكروني بالمناجاة أذكركم بالنجاة ، أُذكروني بترك الجفاء اذكركم بحفظ الوفاء ، أُذكروني بترك الخطأ أذكركم بحفظ الوفاء ، أُذكروني بالجهد بالخلقة أذكركم بأتمام النعمة ، أُذكروني من حيث أنتم أذكركم من حيث أنا ولذكر الله أكبر .

الربيع في هذه الآية : إنّ الله ذاكر من ذكره ، وزائداً من شكره ، ومعذّبُ من كفره .

وقال السّدي : فيها ليس من عبد يذكر الله إلاّ ذكره الله . لا يذكره مؤمن إلاّ ذكره بالرّحمة ، ولا يذكره كافر إلاّ يذكره بعذاب . وقال سفيان بن عيينة : بلغنا إنّ الله عزّ وجلّ قال : أعطيت عبادي مالوا أعطيته جبرئيل وميكائيل كنت قد اجزلت لهما قلت : أُذكروني أذكركم ، وقلت لموسى : قل للظلمة لا يذكروني فإني أذكر من ذكرني ، فإنّ ذكري إياهم أن إلعنهم .

وقال أبو عثمان النهدي : إنّي لأعلم حين يذكرني ربّي عزّ وجلّ ، قيل : كيف ذلك ؟

قال : إنّ الله عزّ وجلّ قال : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } وإذا ذكرت الله تعالى ذكرني . { وَاشْكُرُواْ لِي } نعمتي . { وَلاَ تَكْفُرُونِ } .