بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} (152)

{ فاذكروني } بالتوحيد { أَذْكُرْكُمْ } يقول : اذكروني بالطاعة أذكركم بالمغفرة ، فحق على الله أن يذكر من ذكره ، فمن ذكره في طاعته ، ذكره الله تعالى بخير ومن ذكر الله من أهل المعصية في معصية ذكره الله باللعنة وسوء الدار . ويقال : { فاذكروني } في الرخاء ، { أذكركم } عند البلاء . ويقال : { فاذكروني } في الضيق { أذكركم } بالمخرج . ويقال : { فاذكروني } في الخلاء ، { أذكركم } في الملأ . ويقال : { اذكروني } في ملأ من الناس ، { أذكركم } في ملأ من الملائكة . قال الفقيه : حدثنا محمد بن الفضل قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا إبراهيم بن يوسف قال : حدثنا محمد بن الفضيل الضبي ، عن الحصين ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : ما اجتمع قوم يذكرون الله تعالى ، إلا ذكرهم الله في ملأ أعز منهم وأكرم ، وما تفرق قوم من مجلس لا يذكرون الله في مجلسهم ، إلا كانت حسرة عليهم يوم القيامة . ويقال : اذكروني بالشكر ، أذكركم بالزيادة . ويقال : اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة ويقال : اذكروني في الدنيا بالإخلاص أذكركم في الآخرة بالخلاص .

ثم قال تعالى : { واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } يعني اشكروا نعمتي التي أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ، ولا تجحدوا هذه النعمة . ويقال : النعمة في الحقيقة هي العلم وما سوى ذلك ، فهو تحويل من راحة إلى راحة وليس الطّعام بنعمة ، لأن الطعام إذا أكله الإنسان فبعد ساعة يطلب منه الفرج ، والثوب الحسن ربما يمل منه إذا كان يؤذيه الحر أو البرد ؛ والعلم لا يمل منه صاحبه ، بل ربما يطلب له الزيادة . فأمر الله تعالى بشكر هذه النعمة التي بعث رسولاً ليعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون .