فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} (152)

{ فاذكروني أذكركم } ذكر الله تعالى مطلوب على العموم يتناول الذكر باللسان وبالقلب وبالجوارح فالذكر اللساني كالتحميد والتسبيح والاستغفار والتهليل والتكبير وقراءة القرآن الكريم والذكر بالقلب كالتفكر في آيات الله القرآنية والكونية وفي الصفات الإلهية والأسرار الربانية ، والذكر بالجوارح إعمالها فيها أمر الله لأنه دلالة على الذكر القلبي { أذكركم } مجزوم في جواب الأمر { فاذكروني } وعد الله تعالى الذاكرين أجرا ومغفرة ونعيما مقيما ويجعل لهم عزة ورفعة وعلوا وتكريما فقد روى الشيخان{[531]} في صحيحهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ( من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه } ؛ { واشكروا لي } أصل الشكر معرفة الإحسان والتحدث به فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه وقد وعد سبحانه أهل الشكر النجاة من النقم والمزيد من النعم فقال تقدست أسماؤه وتباركت آلاؤه { وإذ تأذن ربكم لئن شكرتكم لأزيدنكم . . . }{[532]} وقال وهو أصدق القائلين { ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا }{[533]} وقال جل ثناؤه { إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر }{[534]} فأكثروا من الثناء على الله تعالى وشكره تسلموا وتغنموا { ولا تكفرون } -أي لا تكفروا نعمتي وأيادي فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب-{[535]}


[531]:الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى أورده البخاري بنحو تلك الرواية في التوحيد وأورده مسلم في الذكر. وصح عن أنس وقتادة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال {قال الله عز وجل يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة -أو قال في ملأ خير منه- وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا وإن دنوت مني باعا دنوت منك باعا وإن آتيتني تمشي أتيتك هرولة} قال قتادة الله أقرب بالرحمة وفي رواية لهما {وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم}.
[532]:من سورة إبراهيم. من الآية 7.
[533]:من سورة الإسراء الآية 3.
[534]:من سورة القمر الآيتان 34-35.
[535]:ما بين العارضتين مما أورد القرطبي.