فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ} (152)

{ فاذكروني أذكركم } أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة قاله سعيد ابن جبير ، والمعنى اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة حكاه عنه القرطبي ، وروى نحوه مرفوعا وقيل الذكر يكون باللسان وهو التسبيح والتحميد ونحو ذلك من الأذكار المأثورة ، ويكون بالقلب ، وهو التفكر في الدلائل الدالة على وحدانيته وبدائع خلقه ويكون بالجوارح وهو الاستغراق في الأعمال التي أمروا بها مثل الصلاة وسائر الطاعات التي للجوارح فيها فعل ، وقيل غير ذلك .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) أخرجه البخاري ومسلم{[147]} .

وأخرجا عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ) {[148]} وأخرجا عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر كمثل الحي والميت ) {[149]} وفي الباب أحاديث كثيرة .

{ واشكروا لي } يعني بالطاعة ما أنعمت به عليكم ، قال الفراء : شكرتك وشكرت لك واحد ، قال ابن عطية : ولي أفصح وأشهر مع الشكر والشكر معرفة الإحسان والتحدث به ، وأصله في اللغة الظهور وقد تقدم الكلام فيه ، وقد ورد في فضل ذكر الله على الإطلاق وفضل الشكر أحاديث كثيرة كما أشرنا إليه { ولا تكفرون } أي بجحد النعم وعصيان الأمر ، والكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب ، فمن أطاع الله فقد شكره ومن عصاه فقد كفر وقد تقدم الكلام فيه .


[147]:مسلم/2675
[148]:ومثل ذلك ما رواه ابن ماجة عن عبد الله ابن بسر أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأنبأني منها بشيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل.
[149]:ومنه حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا هذا جمدان (جبل في طريق مكة) سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات مسلم/2676