أقسم الله تعالى في مفتتح هذه السورة بأشياء عدة من مخلوقاته العظيمة ، المنبئة عن كمال قدرته تعالى ووحدانيته على فوز من طهر نفسه بالإيمان والطاعة ، وخسران من ضيعها بالكفر والمعاصي ، ثم ساق مثلا : ثمود قوم صالح وما حل بهم . ليعتبر بهم كل معاند مكذب ، فإنهم لما كذبوا رسولهم ، وعقروا الناقة أهلكم الله جميعا وهو لا يخاف إهلاكهم وما أنزله بهم . لأنه لا يسأل عما يفعل ، وقد أنزل بهم ما يستحقون .
{ 1 - 15 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا }
أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة ، على النفس المفلحة ، وغيرها من النفوس الفاجرة ، فقال :
{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أي : نورها ، ونفعها الصادر منها .
سورة الشمس مكية وآياتها خمس عشرة
هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة ، والإيقاع الموسيقي الواحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة . حقيقة النفس الإنسانية ، واستعداداتها الفطرية ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . هذه الحقيقة التي يربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .
كذلك تتضمن قصة ثمود ، وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها . وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكي نفسه ، فيدعها للفجور ، ولا يلزمها تقواها : كما جاء في الفقرة الأولى في السورة : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .
( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها . والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .
يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية ، كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها . ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى ؛ وأن يوجه إليها القلوب تتملاها ، وتتدبر ماذا لها من قيمة وماذا بها من دلالة ، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم .
ومشاهد الكون وظواهره إطلاقا بينها وبين القلب الإنساني لغة سرية ! متعارف عليها في صميم الفطرة وأغوار المشاعر . وبينها وبين الروح الإنساني تجاوب ومناجاة بغير نبرة ولا صوت ، وهي تنطق للقلب ، وتوحي للروح ، وتنبض بالحياة المأنوسة للكيان الإنساني الحي ، حيثما التقى بها وهو مقبل عليها ، متطلع عندها إلى الأنس والمناجاة والتجاوب والإيحاء .
ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب ، في شتى المواضع . تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية كهذا القسم بتلك الحقائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق . وفي هذا الجزء بالذات لاحظنا كثرة هذه التوجيهات واللمسات كثرة ظاهرة . فلا تكاد سورة واحدة تخلو من إيقاظ القلب لينطلق إلى هذا الكون ، يطلب عنده التجاوب والإيحاء . ويتلقى عنه - بلغة السر المتبادل - ما ينطق به من دلائل وما يبثه من مناجاة !
وهنا نجد القسم الموحي بالشمس وضحاها . . بالشمس عامة وحين تضحى وترتفع عن الأفق بصفة خاصة . وهي أروق ما تكون في هذه الفترة وأحلى . في الشتاء يكون وقت الدفء المستحب الناعش . وفي الصيف يكون وقت الإشراق الرائق قبل وقدة الظهيرة وقيظها . فالشمس في الضحى في أروق أوقاتها وأصفاها . وقد ورد أن المقصود بالضحى هو النهار كله ، ولكنا لا نرى ضرورة للعدول عن المعنى القريب للضحى . وهو ذو دلالة خاصة كما رأينا .
تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : " هلا صليت ب { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } { وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } ؟
قال مجاهد : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أي : وضوئها . وقال قتادة : { وَضُحَاهَا } النهار كله .
قال ابن جرير : والصواب أن يقال : أقسم الله بالشمس ونهارها ؛ لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار{[30123]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالشّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا * وَالنّهَارِ إِذَا جَلاّهَا * وَاللّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } .
قوله : والشّمْسِ وَضُحاها قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها ومعنى الكلام : أقسم بالشمس ، وبضحى الشمس .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : وَضُحاها فقال بعضهم : معنى ذلك : والشمس والنهار ، وكان يقول : الضحى : هو النهار كله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة والشّمْسِ وَضُحاها قال : هذا النهار .
وقال آخرون : معنى ذلك : وضوئها . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَالشّمْسِ وَضُحاها قال : ضوئها .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : أقسم جلّ ثناؤه بالشمس ونهارها ، لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار .
سميت هذه السورة في المصاحف وفي معظم كتب التفسير { سورة الشمس } بدون واو وكذلك عنونها الترمذي في جامعه بدون واو في نسخ صحيحة من جامع الترمذي ومن عارضة الأحوذي لابن العربي .
وعنونها البخاري سورة { والشمس وضحاها } بحكاية لفظ الآية ، وكذلك سميت في بعض التفاسير وهو أولى أسمائها لئلا تلتبس على القارئ بسورة إذا الشمس كورت المسماة سورة التكوير .
ولم يذكرها في الإتقان مع السور التي لها أكثر من اسم .
وعدت السادسة والعشرين في عدد نزول السور نزلت بعد سورة القدر ، وقبل سورة البروج .
وآياتها خمس عشرة آية في عدد جمهور الأمصار ، وعدها أهل مكة ست عشرة آية .
تهديد المشركين بأنهم يوشك أن يصيبهم عذاب بإشراكهم وتكذيبهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كما أصاب ثمودا بإشراكهم وعتوهم على رسول الله إليهم الذي دعاهم إلى التوحيد .
وقدم لذلك تأكيد الخبر بالقسم بأشياء معظمة وذكر من أحوالها ما هو على بديع صنع الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيره فهو دليل على أنه المنفرد بالإلهية والذي لا يستحق غيره الإلهية وخاصة أحوال النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضلال والسعادة والشقاء .
القسم لتأكيد الخبر ، والمقصود بالتأكيد هو ما في سَوق الخبر من التعريض بالتهديد والوعيد بالاستئصال .
والواوات الواقعة بعد الفواصل واوات قَسَم .
وكل من الشمس ، والقمر والسماء والأرض ، ونفس الإِنسان ، من أعظم مخلوقات الله ذاتاً ومعنىً الدالة على بديع حكمته وقويّ قدرته .
وكذلك كل من الضحى ، وتُلو القمر الشمس والنهار ، والليل من أدق النظام الذي جعله الله تعالى .
والضحى : وقتُ ارتفاع الشمس عن أفق مشرقها ، وظهور شعاعها ، وهو الوقت الذي ترتفع فيه الشمس متجاوزة مشرقها بمقدار ما يخيل للناظر أنه طول رُمح .
ومهد لذلك بالتنبيه على أن تزكية النفس سبب الفلاح ، وأن التقصير في إصلاحها سبب الفجور والخسران .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي عن بريدة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء والشمس وضحاها وأشباهها من السور » ، وقد تقدم حديث جابر في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : «هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى » وأخرج الطبراني عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ في صلاة الصبح بالليل إذا يغشى والشمس وضحاها » . وأخرج البيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال : «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي ركعتي الضحى بسورتيهما بالشمس وضحاها والضحى » . ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة ، والإيقاع الموسيقي الواحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة . حقيقة النفس الإنسانية ، واستعداداتها الفطرية ، ودور الإنسان في شأن نفسه .....كما جاء في الفقرة الأولى في السورة : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . . ( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها . والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . . يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية ، كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها . ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى ؛ وأن يوجه إليها القلوب تتملاها ، وتتدبر ماذا لها من قيمة وماذا بها من دلالة ، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم ....
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سميت هذه السورة في المصاحف وفي معظم كتب التفسير سورة الشمس بدون واو، وكذلك عنونها الترمذي في جامعه بدون واو في نسخ صحيحة من جامع الترمذي ومن عارضة الأحوذي لابن العربي . وعنونها البخاري سورة والشمس وضحاها بحكاية لفظ الآية ، وكذلك سميت في بعض التفاسير وهو أولى أسمائها لئلا تلتبس على القارئ بسورة إذا الشمس كورت المسماة سورة التكوير . ولم يذكرها في الإتقان مع السور التي لها أكثر من اسم ... أغراضها: تهديد المشركين بأنهم يوشك أن يصيبهم عذاب بإشراكهم وتكذيبهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كما أصاب ثمودا بإشراكهم وعتوهم على رسول الله إليهم الذي دعاهم إلى التوحيد . وقدم لذلك تأكيد الخبر بالقسم بأشياء معظمة وذكر من أحوالها ما هو على بديع صنع الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيره فهو دليل على أنه المنفرد بالإلهية والذي لا يستحق غيره الإلهية وخاصة أحوال النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضلال والسعادة والشقاء . ...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في السورة توكيد بفلاح المتقين الصالحين ، وخسران المنحرفين الضالين ، وتذكير بحادث ناقة ثمود ونكال الله فيهم لتمردهم وطغيانهم ، وتقرير لقابلية اكتساب الخير والشر في الإنسان وإيداع الله فيه تلك القابلية وإقداره على هذا الاكتساب . وهي عرض عام لأهداف الدعوة ، وليس فيها مواقف حجاج وردود ، مما يمكن أن يدل على أنها نزلت قبل الفصول التي ذكرت فيها مثل ذلك . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
السّورة هي في الواقع سورة تهذيب النفس ، وتطهير القلوب من الأدران ، ومعانيها تدور حول هذا الهدف ، وفي مقدمتها قسم بأحد عشر مظهراً من مظاهر الخليقة وبذات الباري سبحانه ، من أجل التأكيد على أن فلاح الإنسان يتوقف على تزكية نفسه ، والسّورة فيها من القسم ما لم يجتمع في سورة أخرى . وفي المقطع الأخير من السّورة ذكر لقوم «ثمود » باعتبارهم نموذجاً من أقوام طغت وتمردت ، وانحدرت بسبب ترك تزكية نفسها إلى هاوية الشقاء الأبدي ، والعقاب الإلهي الشديد . وهذه السّورة القصيرة في الواقع تكشف عن مسألة مصيرية هامّة من مسائل البشرية ، وتبيّن نظام القيم في الإسلام بالنسبة إلى أفراد البشر . ...
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "والشّمْسِ وَضُحاها" قسم، أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها، ومعنى الكلام : أقسم بالشمس ، وبضحى الشمس .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : "وَضُحاها" ؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : والشمس والنهار ، وكان يقول : الضحى : هو النهار كله ... وقال آخرون : معنى ذلك : وضوئها ...
والصواب من القول في ذلك أن يقال : أقسم جلّ ثناؤه بالشمس ونهارها ، لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وهذا في موضع القسم ؛ وذلك لأن الله تعالى جعل في الشمس معاني تدل على لطائف حكمته وعجائب تدبيره ، وجعلها في النهاية من البركات وفي النهاية من الآيات . فمن عجيب تدبيره أنه جعل نورها بحيث تهلك نور الظل حتى إذا بدت في مكان أذهبت نور الظل ونور السراج ونور القمر ، وستر نورها الكواكب عن أن ترى ، وجعلها بحيث يظهر بها هباء الهواء ... ولو أراد أحد من الخلائق أن يدرك المعنى الذي به استنارت هذه الشمس كَلَّ ، ولم يقف عليه ؟ ثم من بركتها أن بحرارتها صالح الأغذية ، وبها صالح النبات ، وبها يكبس الحَب ، وبها تنضج الفواكه . ومن عجيب تدبيره أنه جعلها بالنائي عن كل شيء له بها صلاح ؛ إذ لو دنت منه لكانت تحرق الأشياء كلها... وهي أيضا تظهر جود الرب ، جل جلاله ، لأن منافعها تعم الخلق كلهم برهم وفاجرهم والولي منهم والعدو ، فأقسم الله بها ليزيل عن الكفرة الشبهة التي تعترض لهم من أمر الدين : إما في التوحيد، وإما في الرسالة، وإما في البعث ، والله أعلم . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ضحاها : ضوؤها إذا أشرقت وقام سلطانها ؛ ولذلك قيل : وقت الضحى ، كأن وجهه شمس الضحى . وقيل : الضحوة ارتفاع النهار . والضحى فوق ذلك . والضحاء بالفتح والمد : إذا امتد النهار وقرب أن ينتصف . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أقسم الله تعالى ب { الشمس } إما على التنبيه منها وإما على تقدير : ورب الشمس ، و «الضُّحى » بضم الضاد والقصر : ارتفاع الضوء وكماله ، وبهذا فسر مجاهد...
...واعلم أنه تعالى إنما أقسم بالشمس وضحاها لكثرة ما تعلق بها من المصالح ، فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل ، فلما ظهر أثر الصبح في المشرق صار ذلك كالصور الذي ينفخ قوة الحياة ، فصارت الأموات أحياء ، ولا تزال تلك الحياة في الازدياد والقوة والتكامل ، ويكون غاية كمالها وقت الضحوة ، فهذه الحالة تشبه أحوال القيامة ، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها...
جهود القرافي في التفسير 684 هـ :
التزم الله تعالى أن من زكى نفسه يجد عنده تعالى فلاحا ، وأن من دساها ، أي : دسسها بالمعاصي ، فأبدلت إحدى السينين ألفا ، فإنه يجد عنده تعالى خيبة . وأكد هذا الالتزام بالقسم السابق ، وهو قوله تعالى : { والشمس وضحاها } إلى قوله : { ونفس وما سواها } فهذا كله قسم لذلك الالتزام . ( الفروق : 4/37 )...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
... { والشمس } أي الجامعة بين النفع والضر بالنور والحر ، كما أن العقول كذلك لا أنور منها إذا نارت ، ولا أظلم منها إذا بارت { وضحاها } أي وضوئها الناشئ عن جرمها العظيم الشأن البديع التكوين المذكر بالنيران إذا أشرقت وقام سلطانها كإشراق أنوار العقول ...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وهذه السورة الكريمة يتصدرها قسم من الله بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض ، والنفس ذات الاستعداد المزدوج ، ومناط القسم فيها هو تأكيد طبيعة النفس البشرية ، وزيادة التعريف بميزتها الخاصة ، ألا وهي استعدادها في كل وقت للميل نحو الخير ، وللميل نحو الشر ، فإذا مالت نحو الخير كانت نفسا زكية طاهرة ، وإذا مالت نحو الشر كانت نفسا شقية قذرة. ، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى : { بسم الله الرحمن الرحيم والشمس وضحاها1 والقمر إذا تلاه2 والنهار إذا جلاها3 } ، أي : جلى البسيطة وأنار أرجاءها .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أكبر عدد من القسم القرآني تتضمّنه هذه السّورة ، هو في حساب «أحد عشر » ، وفي حساب آخر «سبعة » أقسام . . . ويبيّن أن السّورة تتعرض لموضوع خطير هام . . موضوع عظيم كعظمة السماء والأرض والشمس والقمر . . . موضوع حياتي مصيري . لنبدأ أولاً بشرح ما جاء في السّورة من قَسم ، لنتعرض بعد ذلك إلى موضوع الآية الأولى تقول : ( والشمس وضحاها ) . ولقد ذكرنا آنفاً أن القسم في القرآن يستهدف مقصدين : الأوّل : بيان أهمية ما جاء القسم من أجله . والثّاني : أهمية ما أقسم به القرآن ، لأنّ القسم عادة يكون بالمهم من الأمور من هنا تعمل هذه الأقسام على تحريك الفكر في الإنسان كي يمعن النظر في هذه الموضوعات الهامّة من عالم الخليقة ، وليتخذ منها سبيلاً إلى اللّه سبحانه وتعالى . «الشمس » ذات دور هام وبنّاء جدّاً في الموجودات الحية على ظهر البسيطة ....«الضحى » في الأصل انتشار نور الشمس ، وهذا ما يحدث حين يرتفع قرص الشمس عن الأفق ويغمر النور كل مكان ، ثمّ يطلق على تلك البرهة من اليوم اسم «الضحى » ، والقسم بالضحى لأهميته ، لأنّه وقت هيمنة نور الشمس على الأرض ....