غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

( سورة الشمس وهي مكية حروفها مائتان وستة وأربعون كلمها أربع وخمسون آياتها خمس عشرة ) .

1

التفسير : قال النحويون : إن في ناصب { إذا تلاها } وما بعده إشكالاً لأن " ما " سوى الواو الأولى إن كن للقسم لزم اجتماع أقسام كثيرة على مقسم به واحد وهو مستنكر عند الخليل وسيبويه ، لأن استئناف قسم آخر دليل على أن القسم الأول قد استوفى حقه من الجواب فيلزم التغليظ ، وإن كن عاطفة لزم العطف على عاملين بحرف واحد وذلك أن حرف العطف ناب عن واو القسم المقتضي للجر وعن الفعل الذي يقتضي انتصاب الظرف . والجواب أنا نختار الثاني ولزوم العطف على عاملين ممنوع لأن حرف العطف ناب عن واو القسم النائب عن الفعل المتعدّي بالباء ، وكما أن واو القسم تعمل الجر في القسم والنصب في الظرف إذا قلت مثلاً ابتداء { والليل إذا يغشى } [ الليل :1 ] لقيامه مقام قولك " اقسم بالليل إذا يغشى " فكذا حرف العطف النائب منابه نظيره قولك " ضرب زيد عمراً وبكر خالداً " فترفع بالواو وتنصب لقيامه مقام ضرب . قال بعض المتكلمين : المضاف في هذه الأقسام محذوف تقديره ورب الشمس إلى آخرها . وزيف بلزوم التكرار في قوله { وما بناها } وما بعده . وأجيب بأن " ما " في { وما بناها } وما بعده مصدرية . واعترض عليه في الكشاف بأنه يلزم من عطف قوله { فألهمهما } على قوله { وما سوّاها } فساد النظم فالوجه أن تكون " ما " موصولة . وإنما أوثرت على " من " لإرادة معنى الوصفية كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها ، ونفس والحكيم الذي سوّاها ، على أنه قد جاء " ما " مستعملاً في " من " كقولهم " سبحان ما سخركن لنا " . أما الذين لم يقدروا المضاف فأورد عليهم أنه يلزم تأخير القسم برب السماء وبانيها عن القسم بالسماء . والجواب أن الله عز قائلاً أراد أن نتدرج من المحسوسات إلى المعقولات ومن المصنوعات إلى الصانع ، ولا يخفى أن المحسوسات أظهرها هو الشمس فذكرها سبحانه مع أوصافها الأربعة الدالة على عظمتها . فأول أعظم الأوصاف الضوء الحاصل منها عند ارتفاع النهار ، وثانيها تلو القمر لها غاية في منتصف الشهر أو تلوه لها في أخذ الضوء عنها أو في غروبه ليلة الهلال بعدها قاله قتادة والكلبي . وقيل : في كبر الجرم بحسب الحس وفي ارتباط مصالح هذا العالم بحركته . والثالث والرابع بروزها لمجيء النهار ، والرابع اختفاؤها لمجيء الليل .

ثم ذكر ذاته المقدسة وعقبه بأنواع تدابيره في السماء والأرض

وفي البسائط وما يتركب منها وأشرفها النفس . ولنشتغل بتفسير بعض الألفاظ .

قال الليث : الضحو ارتفاع النهار والضحى فوق ذلك . والضحاء بالمد إذا امتد النهار وقرب أن ينتصف .

/خ15