تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الشمس

( سورة الشمس مكية ، وآياتها 15 آية ، نزلت بعد سورة القدر )

وهي سورة قصيرة ذات قافية واحدة ، وإيقاع موسيقي واحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة ، والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة ، حقيقة النفس الإنسانية واستعدادها الفطري ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . . هذه الحقيقة التي تربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .

( كذلك تتضمن قصة ثمود وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها ، وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكى نفسه ، فيدعها للفجور )i ، ولا يلزمها تقواها ، كما جاء في الفقرة الأولى من السورة : قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها . ( الشمس : 9 ، 10 ) .

مع آيات السورة

لله تعالى كتابان : كتاب مقروء وهو القرآن الكريم ، وكتاب مفتوح وهذا هو الكون العظيم ، ومشاهد الكون تأسر القلب ، وتبهج النفس ، وتوقظ الحس ، وتنبّه المشاعر .

( ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب في شتى المواضع ، تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية ، كهذا القسم بتلك الخلائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق )ii .

1- أقسم الله بالشمس ، وبنورها الساطع في وقت الضحى ، وهو الوقت الذي يظهر فيه ضوء النهار ، ويتجلى نور الشمس ، ويعم الدفء في الشتاء ، والضياء في الصيف ، قبل حر الظهيرة وقيظها .

2- وأقسم الله بالقمر إذا جاء بعد الشمس ، بنوره اللطيف الهادئ الذي يغمر الكون بالضياء والأنس والجمال .

3- وأقسم بالنهار إذا أظهر الشمس وأتم وضوحها ، وللنهار في حياة الإنسان آثار جليلة ، ففيه السعي والحركة والنشاط .

4- وأقسم الله بالليل إذا غشي الكون ، فغطى ظلامه الكائنات ، وحجب نور الشمس وأخفاه .

5- وأقسم الله بالسماء ومن قدّر خلقها ، وأحكم صنعها على النحو الذي نشاهده .

6- وأقسم الله بالأرض ، والذي بسطها ومهّدها للسكنى .

لقد جمع القسم بين ضياء الشمس ونور القمر ، وضوء النهار وظلام الليل ، وارتفاع السماء وبسط الأرض ، ونلحظ في هذا القسم المقابلة بين النور والظلام ، وبين السماء والأرض ، مما يلفت النظر إلى بديع صنع الله ، وجليل وحيه وإعجاز كتابه .

7-10- ونفس وما سوّاها* فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها .

خلق الله الإنسان مزودا باستعدادات متساوية للخير والشر والهدى والضلال ، فهو قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر .

لقد خلق الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وزوده بالعقل والإرادة ، والحرية والاختيار . وقد بين الله للإنسان طريق الهدى وطرق الضلال ، وأودع في النفس البشرية أصول المعرفة ، والتمييز بين الحق والباطل ، فمن حمل نفسه على الاستقامة وصانها عن الشر فقد رزق الفلاح والسداد ، ومن أهمل نفسه واتبع شهواته ، وأرخى العنان لنزواته فقد خاب ، لأنه هوى بنفسه من سمو الطاعة إلى حضيض المعصية .

11-15- كذّبت ثمود بطغواها* إذ انبعث أشقاها* فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها* فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها* ولا يخاف عقباها .

ذكرت قصة ثمود في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، وقد ذكر هنا طغيانها وعتوّها على أمر الله ، وقد أعطى الله نبيهم صالحا الناقة آية مبصرة ، فكانت تشرب وحدها من الماء في يوم ، وتحلب لهم لبنا يكفيهم جميعا في ذلك اليوم ، ثم يشربون من الماء في اليوم التالي ، وقد حذرهم رسول الله صالح من الإساءة إلى الناقة ، ولكنهم خالفوا أمره ، وذهب شقي منهم فعقر الناقة ، ولما سكتوا عنه صاروا كأنهم قد اشتركوا معه ، لأنهم أهملوا التناصح ، ولم يأخذوا على يد الظالم : فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها . فأطبق عليهم العذاب ، وسوّى الله القبيلة بالأرض ، أي دمر مساكنها على ساكنيها .

ولا يخاف عقباها . أي أن الله أهلك القبيلة دون أن يخشى عاقبة ما فعل ، لأنه عادل لا يخاف عاقبة ما يفعل ، قويّ لا يخاف أن يناله مكروه من أحد ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا .

مقاصد السورة

1- القسم بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض والنفس ، على أن من طهّر نفسه بالأخلاق الفاضلة فقد أفلح وفاز ، ومن سلك طريق الهوى والغواية فقد خاب وشقى .

2- ذكر ثمود مثلا لمن دسى نفسه فاستحق عقاب الله .

جزاء إصلاح النفس وإهمالها

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والشمس وضحاها 1 والقمر إذا تلاها 2 والنهار إذا جلاّها 3 والليل إذا يغشاها 4 والسماء وما بناها 5 والأرض وما طحاها 6 ونفس وما سوّاها 7 فألهمها فجورها وتقواها 8 قد أفلح من زكّاها 9 وقد خاب من دسّاها 10 }

المفردات :

ضحاها : ضحى الشمس ضوءها .

التفسير :

1- والشمس وضحاها .

أقسم بالشمس التي تملأ الكون بالنور والضياء والدفء ، وتمدّ الكون بأشعتها ، وتساعد في نمو الإنسان والحيوان والنبات والمخلوقات ، وأقسم بالضحى حيث تكون الشمس مشرقة دافئة في الشتاء ، متوسطة الحرارة في الصيف ، فهما قسمان :

الأول : قسم بالشمس .

الثاني : قسم بالضحى .

وقد شرعت صلاة الضحى كشكر لله على نعمه ، في إمداد الكون بالنور والضوء ليعمل الناس ويبحثوا عن أسباب الرزق .