فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشمس

هي خمس عشرة آية وهي مكية بلا خلاف قال ابن عباس نزلت بمكة ، وعن ابن الزبير مثله ، وعن بريده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء { والشمس وضحاها } وأشباهها من السور " أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والنسائي ، وقد تقدم حديث جابر في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمعاذ هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والليل إذا يغشى .

وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يقرأ في صلاة الصبح بالليل إذا يغشى والشمس وضحاها " أخرجه الطبراني ، وعن عقبة بن عامر قال : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نصلي ركعتي الضحى بسورتيهما بالشمس وضحاها والضحى " أخرجه البيهقي في الشعب .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والشمس وضحاها } أقسم سبحانه بهذه الأمور ، وله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته وقال قوم إن القسم بهذه الأمور ونحوها مما تقدم ومما سيأتي هو على حذف مضاف أي ورب الشمس ، وهكذا سائرها ، ولا ملجئ إلى هذا ولا موجب له ، وقوله : { وضحاها } هو قسم ثان ، وقال الرازي المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات والتحذير من المعاصي .

وقد أقسم تعال بأنواع مخلوقاته المشتملة على المنافع العظيمة ليتأمل المكلف فيها ويشكر عليها لأن ما أقسم الله تعالى به يحصل منه وقع في القلب ، وأقسم الله في هذه السورة بسبعة أشياء إلى قوله : { قد أفلح من زكاها } فأقسم بالشمس وضحاها فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل ، فلما ظهر أثر الصبح صارت الأموات أحياء ، وتكاملت الحياة وقت الضحوة ، وهذه الحالة تشبه أحوال القيامة ، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها انتهى .

قال مجاهد أي ضوؤها وإشراقها ، وأضاف الضحى إلى الشمس لأنه إنما يكون عند ارتفاعها ، وكذا قال الكلبي ، وقال قتادة : ضحاها نهارها كله ، قال الفراء : الضحى هو النهار ، وقال المبرد : أصل الضحى الصبح ، وهو نور الشمس ، وقيل الضحوة ارتفاع النهار ، والضحى فوق ذلك .

قال القرطبي : الضحى مؤنثة يقال ارتفعت الضحى فوق الضحو ، وقد تذكر ، فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة ومن ذكر ذهب إلى أنها اسم فعل نحو صرد ونغر ، قال أبو الهيثم : الضحى نقيض الظل : وهو نور الشمس على وجه الأرض ، وأصله الضحى فاستثقلوا الياء فقلبوها ألفا قيل والمعروف عند العرب أن الضحى إذا طلعت الشمس وبعد ذلك قليلا ، فإذا زاد فهو الضحاء بالمد .

قال المبرد : الضحى والضحوة مشتقان من الضح وهو النور فأبدلت الألف والواو من الحاء .

واختلف في جواب القسم ماذا هو ، فقيل هو قوله : { قد أفلح من زكاها } قاله الزجاج وغيره وحذفت اللام لأن الكلام قد طال فصار طوله عوضا منها ، وقيل محذوف أي لتبعثن وقيل تقديره ليدمدمن الله على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا ، وأما قوله : { قد أفلح من زكاها } فكلام تابع لقوله : { فألهمها فجورها وتقواها } على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء ، وقيل هو على التقديم والتأخير بغير حذف ، والمعنى { قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها } { والشمس وضحاها } والأول أولى .