فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشمس

هي خمس عشرة آية وهي مكية بلا خلاف . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت والشمس وضحاها بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي عن بريدة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء والشمس وضحاها وأشباهها من السور » ، وقد تقدم حديث جابر في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : «هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى » وأخرج الطبراني عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ في صلاة الصبح بالليل إذا يغشى والشمس وضحاها » . وأخرج البيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال : «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي ركعتي الضحى بسورتيهما بالشمس وضحاها والضحى » .

أقسم سبحانه بهذه الأمور ، وله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ، وقال قوم : إن القسم بهذه الأمور ونحوها مما تقدّم ومما سيأتي هو على حذف مضاف : أي { و } رب { الشمس } وربّ القمر ، وهكذا سائرها ، ولا ملجئ إلى هذا ولا موجب له ، وقوله : { وضحاها } هو قسم ثان قال مجاهد : وضحاها : أي ضوئها وإشراقها ، وأضاف الضحى إلى الشمس لأنه إنما يكون عند ارتفاعها ، وكذا قال الكلبي . وقال قتادة : { ضحاها } نهارها كله . قال الفراء : الضحى هو النهار . وقال المبرد : أصل الضحى الصبح ، وهو نور الشمس . قال أبو الهيثم : الضحى نقيض الظلّ ، وهو نور الشمس على وجه الأرض ، وأصله الضحى ، فاستثقلوا الياء ، فقلبوها ألفاً . قيل : والمعروف عند العرب أن الضحى إذا طلعت الشمس وبعيد ذلك قليلاً ، فإذا زاد فهو الضحاء بالمدّ . قال المبرد : الضحى والضحوة مشتقان من الضحّ وهو النور ، فأبدلت الألف والواو من الحاء .

واختلف في جواب القسم ماذا هو ؟ فقيل : هو قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها } قاله الزجاج وغيره . قال الزجاج : وحذفت اللام ، لأن الكلام قد طال ، فصار طوله عوضاً منها . وقيل : الجواب محذوف : أي والشمس ، وكذا لتبعثنّ ، وقيل تقديره : ليدمدمنّ الله على أهل مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحاً ، وأما { قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها } فكلام تابع لقوله : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء ، وقيل : هو على التقديم والتأخير بغير حذف ، والمعنى : قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها والشمس وضحاها ، والأوّل أولى .

/خ15