[ وقوله ] { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } أي : بينا لكم فضلنا وإحساننا لمن آمن إيمانا عاما ، واتقى الله ، وآمن برسوله ، لأجل أن أهل الكتاب يكون لديهم علم{[999]} بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله أي : لا يحجرون على الله بحسب أهوائهم وعقولهم الفاسدة ، فيقولون : { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } ويتمنون على الله الأماني الفاسدة ، فأخبر الله تعالى أن المؤمنين برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، المتقين لله ، لهم كفلان من رحمته ، ونور ، ومغفرة ، رغما على أنوف أهل الكتاب ، وليعلموا { أن الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله ، { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ الذي لا يقادر قدره ] .
( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله . وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) . . فقد كان أهل الكتاب يزعمون أنهم شعب الله المختار ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) . . ( وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) . . فالله يدعو الذين آمنوا إلى استحقاق رحمته وجنته وهبته ومغفرته حتى يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على احتجاز شيء من فضله ، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء ، غير مقصور على قوم ، ولا محجوز لطائفة ، ولا محدود ولا قليل : ( والله ذو الفضل العظيم ) . .
وهي دعوة فيها تحضيض واستجاشة واستشارة للسباق إلى الجنة والرحمة . تختم بها السورة ختاما يتناسق مع سياقها كله ، ومع الهتاف المكرر فيها لهذه القلوب كي تحقق إيمانها وتخشع لربها وتستجيب لتكاليف الإيمان في الأموال والأرواح . في تجرد وإخلاص .
وبعد فهذه السورة نموذج من النماذج القرآنية الواضحة في خطاب القلوب البشرية ، واستجاشتها بأسلوب عميق التأثير . وهي في بدئها وسياقها وختامها ؛ وفي إيقاعاتها وصورها وظلالها ؛ وفي طريقة تناولها للموضوع وسيرها فيه جولة بعد جولة ، وشوطا بعد شوط . . هي في هذا كله درس بديع لأصحاب هذه الدعوة ، يعلمهم كيف يخاطبون الناس ، وكيف يوقظون الفطرة ، وكيف يستحيون القلوب !
إنها درس رباني من صانع القلوب ، ومنزل القرآن ، وخالق كل شيء بقدر . وفي هذه المدرسة الإلهية يتخرج الدعاة المستجابون الموفقون . . .
{ لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ }أي : ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رَدّ ما أعطاه الله ، ولا [ على ]{[28346]} إعطاء ما منع الله ، { وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
قال ابن جرير : { لِئَلا يَعْلَمَ } أي : ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها : " لكي يعلم " . وكذا حطَّان {[28347]} بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، قال ابن جرير : لأن العرب تجعل " لا " صلة في كل كلام دخل في أوله وآخره جحد غير مصرح ، فالسابق كقوله : { مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] ، { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 109 ] ، { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 95 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.