الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

قوله تعالى : " لئلا يعلم أهل الكتاب " أي ليعلم ، و " أن لا " صلة زائدة مؤكدة ، قاله الأخفش . وقال الفراء : معناه لأن يعلم و " لا " صلة زائدة في كل كلام دخل عليه جحد . قال قتادة : حسد أهل الكتاب المسلمين فنزلت : " لئلا يعلم أهل الكتاب " أي لأن يعلم أهل الكتاب أنهم " لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله " وقال مجاهد : قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل . فلما خرج من العرب كفروا فنزلت : " لئلا يعلم " أي ليعلم أهل الكتاب " أن لا يقدرون " أي أنهم يقدرون ، كقوله تعالى : " ألا يرجع إليهم قولا{[14738]} " [ طه : 89 ] . وعن الحسن : " ليلا يعلم أهل الكتاب " وروي ذلك عن ابن مجاهد . وروى قطرب بكسر اللام وإسكان الياء{[14739]} . وفتح لام الجر لغة معروفة . ووجه إسكان الياء أن همزة " أن " حذفت فصارت " لن " فأدغمت النون في اللام فصار " للا " فلما اجتمعت اللامات أبدلت الوسطى منها ياء ، كما قالوا في أما : أيما . وكذلك القول في قراءة من قرأ " ليلا " بكسر اللام إلا أنه أبقى اللام على اللغة المشهورة فيها فهو أقوى من هذه الجهة . وعن ابن مسعود " لكيلا يعلم " وعن حطان بن عبدالله " لأن يعلم " . وعن عكرمة " ليعلم " وهو خلاف المرسوم . " من فضل الله " قيل : الإسلام . وقيل : الثواب . وقال الكلبي : من رزق الله . وقيل : نعم الله التي لا تحصى . " وأن الفضل بيد الله " ليس بأيديهم فيصرفون النبوة عن محمد صلى الله عليه وسلم إلى من يحبون . وقيل : " وأن الفضل بيد الله " أي هو له " يؤتيه من يشاء " وفي البخاري : حدثنا الحكم بن نافع ، قال حدثنا شعيب عن الزهري ، قال أخبرني سالم بن عبدالله ، أن عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو قائم على المنبر : ( إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غروب الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين ، قال أهل التوراة : ربنا هؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا قال هل ظلمتكم من أجركم من شيء ؟ قالوا : لا ، فقال فذلك فضلي أوتيه من أشاء ) في رواية : ( فغضبت اليهود والنصارى وقالوا ربنا . . . ) الحديث . " والله ذو الفضل العظيم " . [ تم تفسير سورة الحديد " والحمد لله ]{[14740]} .


[14738]:راجع جـ 11 ص 236.
[14739]:روى قطرب عن الحسن أيضا كما في السمين وغيره، فتكون للحسن قراءتان فتح اللام وكسرها مع إسكان الياء فيهما.
[14740]:ما بين المربعين ساقط من ح، س، ط، هـ.