السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

ولما بلغ من لم يؤمن من أهل الكتاب قوله تعالى : { أولئك يؤتون أجرهم مرتين } قالوا للمسلمين : أمّا من آمن منا بكتابكم فله أجره مرتين لإيمانه بكتابكم وبكتابنا ومن لم يؤمن منا فله أجره كأجوركم فما فضلكم علينا فأنزل الله تعالى : { لئلا يعلم } أي : ليعلم ولا زائدة للتأكيد { أهل الكتاب } الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم { أن } مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن والمعنى أنهم { لا يقدرون على شيء } في زمن من الأزمان { من فضل الله } أي : الملك الأعلى فلا أجر لهم ولا نصيب في فضله إن لم يؤمنوا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقال قتادة : حسد الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب المؤمنين منهم فنزلت هذه الآية . وقال مجاهد : قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبيّ يقطع الأيدي والأرجل فلما خرج من العرب كفروا به فنزلت الآية . وروي أن مؤمني أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين وادّعوا الفضل عليهم فنزلت ، وقيل : المراد من فضل الله الإسلام ، وقيل : الثواب ، وقال الكلبي : من رزق الله وقيل : نعم الله تعالى التي لا تحصى { وأنّ } أي : وليعلموا أن { الفضل } أي : الذي لا يحتاج إليه من هو عنده { بيد الله } الذي له الأمر كله { يؤتيه من يشاء } لأنه قادر مختار فآتى المؤمنين منهم أجرهم مرتين { والله } أي : الذي أحاط بجميع صفات الكمال { ذو الفضل العظيم } أي : مالكه ملكاً لا ينفك ولا ملك لأحد فيه معه ولا تصرف بوجه أصلاً فلذلك يخص من يشاء بما يشاء .

روى البخاري عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو قائم على المنبر : «إنما بقاؤكم فيمن سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين ، قال أهل التوراة : ربنا هؤلاء أقل عملاً وأكثر أجراً قال : هل ظلمتكم من أجركم شيئاً ؟ قالوا : لا ، قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء » وفي رواية «فغضبت اليهود والنصارى وقالوا : ربنا » الحديث ، وفي رواية «إنما أجلكم في أجل من كان قبلكم خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس » ؟ «وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال : من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعلمت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ، ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط ، ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ألا لكم الأجر مرتين ، فغضبت اليهود والنصارى وقالوا : نحن أكثر عملاً وأقل عطاء قال الله تعالى : هل ظلمتكم من حقكم شيئاً ؟ قالوا : لا ، قال : فإنه فضلي أوتيه من شئت » . وعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوماً يعملون له عملاً يوماً إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار فقالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل ، فقال لهم : لا تفعلوا أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملاً فأبوا وتركوا واستأجر آخرين من بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا حتى

إذا كان حين صلاة العصر قالوا ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال : أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير فأبوا فاستأجر آخرين على أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين كلاهما فذلك مثلهم ومثل ما بقوا من هذا النور » .

ختام السورة:

وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسله » حديث موضوع .