تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ} (29)

وقوله تعالى : { والله غفور رحيم } أي يرحمهم ، ويخلدهم في جنته .

الآية 29 وقوله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب } أجمع أهل التأويل واللغة أن حرف : لا زيادة ههنا وصلة ، أي ليعلم أهل الكتاب . وقد يزاد في الكلام حرف : لا ، ويسقط{[20720]} بحق الصلة ، يعرف ذلك أهل الحكمة والفقه كقوله تعالى : { يبين الله لكم أن تضلوا } [ النساء : 176 ] ليس يبين لنا أن نضل ، ولكن يبين لنا لنعلم ، ونهتدي ، فعرف الحكماء والفقهاء أن كلمة : لا أسقطت ههنا . فعلى ذلك عرفوا أن حرف : لا ههنا في قوله : { لئلا يعلم } زيادة ، معناه : ليعلم { أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله } على غير تقدم كان منهم حتى خرج هذا جوابا لهم عن ذلك .

ولكن يذكر شيئا ، يشبه أن يكون الذي ذكر ، هو جواب ذلك الذي كان منهم ، وهو أنهم كانوا أهل كتاب وأهل علم بالكتاب ، يرون لأنفسهم فضلا على غيرهم وخصوصية ليست لغيرهم عندهم .

فلما بعث الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم رسولا إليهم وإلى الناس كافة ، وأنزل عليه كتابا ، وهو أمين عندهم ، وذكر في كتابه ما كان في كتبهم ، وأمرهم باتباعه والانقياد له والطاعة ، وأحوجهم جميعا إليه وإلى ما في كتابه أنكروا فضل الله عليه وإحسانه إليه ، فعند ذلك قال : { لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } أي يفضل من يشاء على من يشاء ، ليس ذلك إليهم .

ثم قوله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله } دلالة نقص قول المعتزلة في أن الله تعالى قد أعطى كل إنسان{[20721]} ما يقدر على الوصول إلى جميع فضائله وإحسانه ، وقد أخبر ليعلموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ، والمعتزلة يقولون : بل يقدرون ؛ فهذا خلاف لظاهر الآية ، والله أعلم .

وفي قوله تعالى : { وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } أيضا دلالة نقض قول المعتزلة من جهة أخرى ، وهو أنه ذكر المشيئة في ما هو حقه فضل ، وما هو حقه عدل حين{[20722]} قال : { وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } ولم يذكر المشيئة في ما هو حقه عدل وما هو حقه ظلم وجور ، بل أطلق القول في ذلك فقال : { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] وقال : { وما الله يريد ظلما للعباد } [ غافر : 31 ] وقال : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } [ النساء : 40 ] وقال { إن الله لا يظلم الناس شيئا } [ يونس : 44 ] وغير ذلك من الآيات ؛ نفى أن يلحق أحدا{[20723]} منه الظلم والجور ليعلم أن فعل الهدى منه يصل إلى من هداه ، وأرشده ، والإضلال منه/ 553- أ/ عدل . وكذلك قال : { يضل من يشاء ويهدي من يشاء } [ فاطر : 8 ] أي [ من ]{[20724]} نال الهدى والرشد إنما ناله بفضله ورحمته ، ومن ضل فذلك عدل منه ؛ ولذلك قال : { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان }[ الحجرات : 17 ] والله الهادي [ والله أعلم بالصواب ]{[20725]} .


[20720]:من م، الأصل: ولا يسقط.
[20721]:في الأصل و م: شيء.
[20722]:في الأصل و م: حيث.
[20723]:في الأصل و م: أحد.
[20724]:من م، ساقطة من الأصل.
[20725]:ساقطة من م.