ألا يقدرون : أي : لا ينالون شيئا مما ذكر من فضل الله وهو النبوة ، ولا يستطيعون التصرف فيه .
{ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } . أي : ليتحققوا أنهم لا يقدرون على رد ما أعطاه الله ولا إعطاء ما منع الله .
{ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .
قال بن جرير : { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ . . . } أي : ليعلم ، وعن ابن مسعود أنه قرأها : ( لكي يعلم ) لأن العرب تجعل ( لا ) صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح ، فالسابق كقوله : { ما منعك ألا تسجد . . . } ( الأعراف : 12 ) .
وكقوله تعالى : { وما يُشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون } . ( الأنعام : 109 )31
خلاصة ما اشتملت عليه سورة الحديد
1- صفات الله وأسماؤه الحسنى ، وظهور آثاره في بدائع خلقه .
2- الحضّ على الإنفاق في سبيل الله .
3- بشرى المؤمنين بالنور يوم القيامة .
4- ثواب المتصدقين الذين أقرضوا الله قرضا حسنا .
5- ذم الدنيا وبيان أنها لهو ولعب وزينة .
6- الترغيب في الآخرة والاجتهاد في العمل لها .
7- اليقين بالقدر ، والصبر في المصائب ، والشكر على النعماء .
8- ذم الاختيال والفخر والبخل .
تم بحمد الله تعالى تفسير الجزء ( السابع والعشرين ) ظهر يوم الثلاثاء 7 من شوال 1421ه ، الموافق 2/1/2001م ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، ونسأله العون والتوفيق ، إنه نعم المولى ونعم النصير .
تخريج أحاديث وهوامش تفسير القرآن الكريم
4 بصائر ذوي التمييز للفيروزبادي 1/453 .
رواه أبو داود في الأدب ( 5057 ) والترمذي في فضائل القرآن ( 2921 ) وأحمد في مسنده ( 16709 ) من حديث العرباض ابن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ، وقال : " إن فيهن آية أفضل من ألف آية " .
6 اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم :
رواه مسلم في الذكر ( 2713 ) من حديث سهيل قال : كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول : اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصته ، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر . وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
رواه البخاري في الإيمان ( 50 ) وفي تفسير القرآن ( 4777 ) ، ومسلم في الإيمان ( 8-9 ) ، والترمذي في الإيمان ( 2610 ) ، والنسائي في الإيمان ( 4990-4991 ) ، وأبو داود في السنة ( 4695 ) ، وابن ماجة في المقدمة ( 63-64 ) ، وأحمد ( 369-376-5822-6121 ) من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس إذ أتاه رجل يمشي فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر " قال : يا رسول الله ، ما الإسلام ؟ قال : " الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان " . قال : يا رسول الله ، ما الإحسان ؟ قال : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " . قال : يا رسول الله ، متى الساعة ؟ قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها : إذا ولدت المرأة ربتها فذاك من أشراطها إذا كان الحفاة العراة رءوس الناس فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا لله { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام . . . } ثم انصرف الرجل فقال : " ردوا عليّ " . فأخذوا ليردوا فلم يروا شيئا ، فقال : " هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم " . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
رواه مسلم في الزهد ( 2958 ) والترمذي في الزهد ( 2342 ) وفي التفسير ( 3354 ) والنسائي في الوصايا ( 3613 ) وأحمد في مسنده ( 15870 ) حديث عبد الله بن الشخير قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ { ألهاكم التكاثر } قال : يقول ابن آدم : مالي مالي قال : وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت " . ورواه مسلم في الزهد ( 2959 ) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقول العبد مالي مالي ، إنما له من ماله ثلاث ، ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس " .
9 أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا :
نسبه ابن كثير للبخاري في الإيمان ، فقال : قد روينا في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه : " أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا ؟ " قالوا الملائكة ، قال : " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ " قالوا : فالأنبياء ، قال : " وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ " قالوا : فنحن ، قال : ومالكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " ( أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ) أ . ه .
ولم أره فيه ، ولم يعزه غيره للبخاري ! ! فليحرر .
رواه البخاري في المناقب ( 3673 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " .
ورواه مسلم في فضائل الصحابة ( 2540 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " .
11فقد سألتك ما هو أهون من هذا :
رواه البخاري في أحاديث الأنبياء ( 3334 ) وفي الرقاق ( 6538-6557 ) ومسلم في صفة القيامة ( 2805 ) وأحمد في مسنده ( 11903 ) من حديث أنس يرفعه : " إن الله يقول لأهون أهل النار عذابا : لو أن ما في الأرض من شيء كنت تفتدى به ؟ قال : نعم قال : فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم ألا تشرك بي فأبيت إلا الشرك " .
ذكره السيوطي في الجامع الصغير ( 4696 ) بلفظ : " سلمان منا أهل البيت " . ونسبه للطبراني في الكبير ، والحاكم في المستدرك عن عمرو بن عوف وقال : صحيح .
قال المناوي في فيض القدير : جزم الحافظ الذهبي بضعف سنده ، وقال الهيثمي : فيه عند الطبراني كثير بن عبد الله المزني ضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات .
15 إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف :
رواه البخاري في بدء الخلق ( 3256 ) ومسلم في الجنة ( 2831 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون أهل الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم " ، قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين "
16 ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا :
رواه البخاري في الجهاد والسير ( 2817 ) ومسلم في الإمارة ( 1877 ) من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة " .
17 يعطيها لهم على فترة بعد فترة ، وفي صحيح البخاري : كان صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا والملل وفي رواية : يتخوننا ، أي : يعظنا على فترات متباعدة ، أو يقدم الموعظة عند المناسبة .
رواه البخاري في الجهاد والسير ( 2892 ) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها ، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها " .
19الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله :
رواه البخاري في الرقاق ( 6488 ) من حديث عبد الله رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك " .
تقدم تخريجه ، انظر هامش ( 79 ) .
رواه مسلم في الزكاة ( 1006 ) من حديث أبي ذر أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ، قال : " أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ، أن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة " . قالوا : يا رسول الله ، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " .
22 ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه :
رواه البخاري في الرقاق ( 6502 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته " . قلت : تفرد به البخاري وهو من رواية خالد بن مخلد ، وقد قال بعضهم : لولا هيبة الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد .
أخرجه مسلم ( 2999 ) واللفظ له ، وأحمد ( 18455-18460-23406-23412 ) والدارمي ( 2777 ) ، من حديث صهيب بن سنان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .
رواه أحمد في مسنده ( 5093 ) من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " .
25 في ظلال القرآن ، الجزء 27 ص 179 ، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه .
رواه أحمد في مسنده ( 13396 ) من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل " .
27وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام :
رواه أحمد في مسنده ( 11365 ) من حديث أبي سعيد الخدري أن رجلا جاءه فقال : أوصني ، فقال : سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك ، أوصيك بتقوى الله فإنها رأس كل شيء ، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام ، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض " .
رواه البخاري في العلم ( 97 ) من حديث أبي بردة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حقّ الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران " . ثم قال عامر : أعطيناكها بغير شيء ، قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة .
31 مختصر تفسير ابن كثير ، تحقيق محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث .