{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ } حثه عليها ، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية ، { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به ، والعلم بالمنكر لينهى عنه .
والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر إلا به ، من الرفق ، والصبر ، وقد صرح به في قوله : { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ } ومن كونه فاعلا لما يأمر به ، كافًّا لما ينهى عنه ، فتضمن هذا ، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر ، وتكميل غيره بذلك ، بأمره ونهيه .
ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس ، أمره بالصبر على ذلك فقال : { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ } الذي وعظ به لقمان ابنه { مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } أي : من الأمور التي يعزم عليها ، ويهتم بها ، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل لقمان لابنه يا بُنَيّ أقِمِ الصّلاةَ بحدودها وأمُرْ بالمَعْرُوفِ يقول : وأمر الناس بطاعة الله ، واتباع أمره وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ يقول : وانه الناس عن معاصي الله ومواقعة محارمه وَاصْبِرْ عَلى ما أصَابَكَ يقول : واصبر على ما أصابك من الناس في ذات الله إذا أنت أمرتهم بالمعروف ، ونهيتهم عن المنكر ، ولا يصدّنك عن ذلك ما نالك منهم إنّ ذلكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ يقول : إن ذلك مما أمر الله به من الأمور عزما منه . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله : يا بُنَي أقِمِ الصلاةَ وأْمرْ بالمَعْروفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ على ما أصَابَكَ قال : اصبر على ما أصابك من الأذى في ذلك إنّ ذَلكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ قال : إن ذلك مما عزم الله عليه من الأمور ، يقول : مما أمر الله به من الأمور .
انتقل من تعليمه أصول العقيدة إلى تعليمه أصول الأعمال الصالحة فابتدأها بإقامة الصلاة ، والصلاة التوجه إلى الله بالخضوع والتسبيح والدعاء في أوقات معينة في الشريعة التي يدين بها لقمان ، والصلاة عِماد الأعمال لاشتمالها على الاعتراف بطاعة الله وطلب الاهتداء للعمل الصالح . وإقامة الصلاة إدامتها والمحافظة على أدائها في أوقاتها . وتقدم في أول سورة البقرة . وشمل الأمرُ بالمعروف الإتيانَ بالأعمال الصالحة كلها على وجه الإجمال ليتطلَّب بيانه في تضاعيف وصايا أبيه كما شمل النهيُ عن المنكر اجتناب الأعمال السيئة كذلك . والأمر بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يقتضي إتيان الآمر وانتهاءه في نفسه لأن الذي يأمر بفعل الخير وينهى عن فعل الشر يعلم ما في الأعمال من خير وشر ، ومصالح ومفاسد ، فلا جرم أن يتوقاها في نفسه بالأولوية من أمره الناسَ ونهيه إياهم . فهذه كلمة جامعة من الحكمة والتقوى ، إذ جمع لابنه الإرشاد إلى فعله الخيرَ وبثِّه في الناس وكفه عن الشر وزجره الناس عن ارتكابه ، ثم أعقب ذلك بأن أمره بالصبر على ما يصيبه . ووجه تعقيب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بملازمة الصبر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يَجران للقائم بهما معاداةً من بعض الناس أو أذى من بعض فإذا لم يصبر على ما يصيبه من جراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو شك أن يتركهما . ولما كانت فائدة الصبر عائدة على الصابر بالأجر العظيم عُدَّ الصبر هنا في عداد الأعمال القاصرة على صاحبها ولم يلتفت إلى ما في تحمل أذى الناس من حسن المعاملة معهم حتى يذكر الصبر مع قوله { ولا تصاعر خَدّك للناس } [ لقمان : 18 ] لأن ذلك ليس هو المقصود الأول من الأمر بالصبر .
والصبر : هو تحمل ما يحل بالمرء مما يؤلم أو يحزن . وقد تقدم في قوله تعالى { واستعينوا بالصبر والصلاة } في سورة البقرة ( 45 ) .
وجملة { إن ذلك من عزم الأمور } موقعها كموقع جملة { إن الشرك لظلم عظيم } [ لقمان : 13 ] .
والإشارة ب { ذلك } إلى المذكور من إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما أصاب . والتأكيد للاهتمام .
والعزم مصدر بمعنى : الجزم والإلزام . والعزيمة : الإرادة التي لا تردد فيها . و { عزم } مصدر بمعنى المفعول ، أي من معزوم الأمور ، أي التي عزمها الله وأوجبها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.