المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

20- قد رأيتم أن الله ذلَّل لكم ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم وغيرها ، وما في الأرض من الأنهار والثمار والدواب ، وأتم عليكم نعمه ظاهرة لكم ومستورة عنكم ، ومن الناس من يُجادل في ذات الله وصفاته بلا دليل ولا رشاد مأثور عن نبي ولا وحى يضئ طريق الحق .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

{ 20 - 21 } { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }

يمتن تعالى على عباده بنعمه ، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها ؛ وعدم الغفلة عنها فقال : { أَلَمْ تَرَوْا } أي : تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم وقلوبكم ، { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ } من الشمس والقمر والنجوم ، كلها مسخرات لنفع العباد .

{ وَمَا فِي الْأَرْضِ } من الحيوانات والأشجار والزروع ، والأنهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }

{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ } أي : عمّكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم بها ؛ والتي تخفى علينا ، نعم الدنيا ، ونعم الدين ، حصول المنافع ، ودفع المضار ، فوظيفتكم أن تقوموا بشكر هذه النعم ؛ بمحبة المنعم والخضوع له ؛ وصرفها في الاستعانة على طاعته ، وأن لا يستعان بشيء منها على معصيته .

{ و } لكن مع توالي هذه النعم ؛ { مِنَ النَّاسِ مَنْ } لم يشكرها ؛ بل كفرها ؛ وكفر بمن أنعم بها ؛ وجحد الحق الذي أنزل به كتبه ؛ وأرسل به رسله ، فجعل { يُجَادِلُ فِي اللَّهِ } أي : يجادل عن الباطل ؛ ليدحض به الحق ؛ ويدفع به ما جاء به الرسول من الأمر بعبادة اللّه وحده ، وهذا المجادل على غير بصيرة ، فليس جداله عن علم ، فيترك وشأنه ، ويسمح له في الكلام { وَلَا هُدًى } يقتدي به بالمهتدين { وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } [ غير مبين للحق فلا معقول ولا منقول ولا اقتداء بالمهتدين ]{[670]}  وإنما جداله في اللّه مبني على تقليد آباء غير مهتدين ، بل ضالين مضلين .


[670]:- زيادة من ب.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مّنِيرٍ } .

يقول تعالى ذكره : ألَمْ تَرَوْا أيها الناس أنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُمْ ما فِي السّمَوَاتِ من شمس وقمر ونجم وسحاب وَما فِي الأرْضِ من دابة وشجر وماء وبحر وفلك وغير ذلك من المنافع ، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذّكم ، تتمتعون ببعض ذلك كله ، وتنتفعون بجميعه ، وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وبَاطِنَةً .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض المكيين وعامة الكوفيين : «وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً » على الواحدة ، ووجهوا معناها إلى أنه الإسلام ، أو إلى أنها شهادة أن لا إله إلاّ الله . وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : نِعَمَهُ على الجماع ، ووجّهوا معنى ذلك ، إلى أنها النعم التي سخرها الله للعباد مما في السموات والأرض ، واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك بقوله : شاكِرا لاِءَنْعُمهِ قالوا : فهذا جمع النعم .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى ، وذلك أن النعمة قد تكون بمعنى الواحدة ، ومعنى الجماع ، وقد يدخل في الجماع الواحدة . وقد قال جلّ ثناؤه وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها فمعلوم أنه لم يعن بذلك نعمة واحدة . وقال في موضع آخر : ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه ، فجمعها ، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء ذلك فمصيب .

ذكر بعض من قرأ ذلك على التوحيد ، وفسّره على ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه :

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم بن سلام ، قال : حدثنا حجاج ، قال : ثني مستور الهنائي ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قرأها : «وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وبَاطِنَةً » وفسّرها الإسلام .

حُدثت عن الفرّاء قال : ثني شريك بن عبد الله ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «نِعْمَةً » واحدة . قال : ولو كانت نعمه ، لكانت نعمة دون نعمة ، أو نعمة فوق نعمة الشكّ من الفراء .

حدثني عبد الله بن محمد الزهري ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا حميد ، قال : قرأ مجاهد وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهرَةً وبَاطنَةً قال : لا إله إلاّ الله .

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا ابن أبي بكير ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً قال : كان يقول : هي لا إله إلاّ الله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً قال : لا إله إلاّ الله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُيينة ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، قال : لا إله إلاّ الله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن عيسى ، عن قَيْس ، عن ابن عباس نِعَمَةً ظاهِرَةً وَباطِنَةً قال : لا إله إلاّ الله .

وقوله : ظاهِرَةً يقول : ظاهرة على الألسن قولاً ، وعلى الأبدان وجوارج الجسد عملاً . وقوله : وَباطِنَةً يقول : وباطنة في القلوب اعتقادا ومعرفة .

وقوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى يقول تعالى ذكره : ومن الناس من يخاصم في توحيد الله ، وإخلاص الطاعة والعبادة له بغير علم عنده بما يخاصم ، ولا هدى يقول : ولا بيان يبين به صحة ما يقول وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ يقول : ولا بتنزيل من الله جاء بما يدعى ، يبين حقية دعواه ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ ليس معه من الله برهان ولا كتاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَيۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةٗ وَبَاطِنَةٗۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَلَا هُدٗى وَلَا كِتَٰبٖ مُّنِيرٖ} (20)

{ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السماوات وَمَا فِى الارض وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً }

رجوع إلى تعداد دلائل الوحدانية وما صحب ذلك من منة على الخلق ، فالكلام استئناف ابتدائي عن الكلام السابق ورجوع إلى ما سلف في أول السورة في قوله تعالى : { خَلَق السَّماوات بِغَير عمد } [ لقمان : 10 ] فإنه بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض والحيوان والأمطار عاد هنا الاستدلال والامتنان بأن سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض . وقد مضى الكلام على هذا التسخير في تفسير قوله تعالى { الله الذي خلق السماوات والأرض } الآيات من سورة إبراهيم ( 32 ) ، وكذلك في سورة النحل ( 3 ) .

ومعنى { سخر لكم } لأجلكم لأن من جملة ذلك التسخير ما هو منافع لنا من الأمطار والرياح ونور الشمس والقمر ومواقيت البروج والمنازل والاتجاه بها . والخطاب في { ألم تروا } يجوز أن يكون لجميع الناس مؤمنهم ومشركهم لأنه امتنان ، ويجوز أن يكون لخصوص المشركين باعتبار أنه استدلال .

والاستفهام في { ألم تروا } تقرير أو إنكار لِعدم الرؤية بتنزيلهم منزلة من لم يروا آثار ذلك التسخير لعدم انتفاعهم بها في إثبات الوحدانية . والرؤية بصرية . ورؤية التسخير رؤية آثاره ودلائله . ويجوز أن تكون الرؤية علمية كذلك ، والخطاب للمشركين كما في قوله { خلق السماوات بغير عَمد ترونها } .

وإسباغ النِعم : إكثارها . وأصل الإسباغ : جعل ما يلبس سابغاً ، أي وافياً في الستر . ومنه قولهم : درع سابغة . ثم استعير للإكثار لأن الشيء السابغ كثير فيه ما يتخذ منه من سَرْد أو شُقَق أثواب ، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقة فقيل : سوابغ النعم .

والنعمة : المنفعة التي يقصد بها فاعلُها الإحسان إلى غيره .

وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم وأبو جعفر نِعَمهُ } بصيغة جمع نعمة مضاف إلى ضمير الجلالة ، وفي الإضافة إلى ضمير الله تنويه بهذه النِعم . وقرأ الباقون { نِعْمَةً } بصيغة المفرد ، ولما كان المراد الجنس استوى فيه الواحد والجمع .

والتنكير فيها للتعظيم فاستوى القراءتان في إفادة التنويه بما أسبغ الله عليهم . وانتصب { ظاهرة وباطنة } على الحال على قراءة نافع ومن معه ، وعلى الصفة على قراءة البقية .

والظاهرة : الواضحة . والباطنة : الخفية وما لا يعلم إلا بدليل أو لا يعلم أصلاً .

وأصل الباطنة المستقرة في باطن الشيء أي داخله ، قال تعالى : { باطنه فيه الرحمة } [ الحديد : 13 ] فكم في بدن الإنسان وأحواله من نِعم يعلمها الناس أو لا يعلمها بعضُهم ، أو لا يعلمها إلا العلماء ، أو لا يعلمها أهل عصر ثم تنكشف لمن بعدهم ، وكلا النوعين أصناف دينية ودنيوية .

{ وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ }

الواو في قوله { ومن الناس من يجادل } واو الحال . والمعنى : قد رأيتم أن الله سخّر لكم ما في السماوات وأنعم عليكم نعماً ضافية في حال أن بعضكم يجادل في وحدانية الله ويتعامى عن دلائل وحدانيته . وجملة الحال هنا خبر مستعمل في التعجيب من حال هذا الفريق . ولك أن تجعل الواو اعتراضيَّة والجملة معترضة بين جملة { ألم تروا أن الله سخر لكم } وبين جملة { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض } [ لقمان : 25 ] .

وقوله { ومِنَ النَّاس } من الإظهار في مقام الإضمار كأنه قيل : ومنكم ، و { مِن } تبعيضية . والمراد بهذا الفريق : هم المتصدون لمحاجة النبي صلى الله عليه وسلم والتمويه على قومهم مثل النضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، وعبد الله بن الزِّبْعَرى .

وشمل قوله { بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير } مراتبَ اكتساب العلم وهي إما : الاجتهاد والاكتساب ، أو التلقي من العالم ، أو مطالعة الكتب الصائبة . وتقدم تفسير نظير هذه الآية في سورة الحج ( 8 ) .