الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (17)

{ واصبر على مَا أَصَابَكَ } يجوز أن يكون عاماً في كل ما يصيبه من المحن ، وأن يكون خاصاً بما يصيبه فيما أمر به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : من أذى من يبعثهم على الخير وينكر عليهم الشر { إِنَّ ذلك } مما عزمه الله من الأمور ، أي : قطعه قطع إيجاب والزام . ومنه الحديث : « لاصِيامَ لمنْ لم يعزمِ الصيامَ مِنَ الليلِ » أي لم يقطعه بالنية : ألا ترى إلى قوله عليه السلام : « لمنْ لم يبيتِ الصيامَ » ومنه : « إنّ اللَّهَ يحبُّ أَنْ يؤخذَ برخصهِ كما يحبُّ أَنْ يؤخذَ بعزائمِهِ » ، وقولهم : عزمة من عزمات ربنا . ومنه : عزمات الملوك . وذلك أن يقول الملك لبعض من تحت يده : عزمت عليك إلا فعلت كذا ، إذا قال ذلك لم يكن للمعزوم عليه بدّ من فعله ولا مندوحة في تركه . وحقيقته : أنه من تسمية المفعول بالمصدر ، وأصله من معزومات الأمور ، أي : مقطوعاتها ومفروضاتها . ويجوز أن يكون مصدراً في معنى الفاعل ، أصله : من عازمات الأمور ، من قوله تعالى : { فَإِذَا عَزَمَ الأمر } [ محمد : 21 ] كقولك : جد الأمر ، وصدق القتال . وناهيك بهذه الآية مؤذنة بقدم هذه الطاعات ، وأنها كانت مأموراً بها في سائر الأمم ، وأنّ الصلاة لم تزل عظيمة الشأن ، سابقة القدم على ما سواها ، موصى بها في الأديان كلها .