تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (17)

الآية 17 وقوله تعالى : { يا بني أقم الصلاة } يحتمل الأمر بإقامة الصلاة وجهين :

أحدهما : الصلاة التي عرفتها العرب ، وهي المسألة والدعاء والثناء على الله والتحميد له والتمجيد كقوله : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } الآية [ الأحزاب : 56 ] وهذه الصلاة المذكورة في هذه الآية ، هي الدعاء والاستغفار والرحمة له والمغفرة . فعلى ذلك يشبه أن يكون الأمر بإقامة الصلاة هو الأمر بمسألة الرب حوائجه ومغفرته ورحمته ليكون أبدا في كل حال متضرعا إلى الله مظهرا حاجته إليه ومثنيا واصفا عظمته وجلاله وكبرياءه .

والثاني : أراد به الصلاة المعروفة والمعهودة على شرائطها التي جعلت ، وشرعت . فإن كان هذا ففيها أيضا ما في الأول من الدعاء والثناء على الله تعالى والوصف له بالعظمة والجلال لأنها جعلت من أولها إلى آخرها ذلك .

وإن كان أراد بالصلاة [ الصلاة ]( {[16210]} ) المعروفة ففيه أن الصلاة التي شرعت لنا كانت للأمم المتقدمة .

وعلى ذلك يخرج قول إبراهيم [ حين قال ]( {[16211]} ) : { رب اجعلني مقيم الصلاة } [ إبراهيم : 40 ] وقول عيسى حين( {[16212]} ) قال : { وأوصاني بالصلاة والزكاة } [ مريم : 31 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر } المعروف اسم كل بر وخير مستحسن في العقل والطبع ، والمنكر اسم كل شر وسوء وكل( {[16213]} ) مستقبح في العقل والطبع . ثم يخرج قوله : { وأمر بالمعروف وانه عن المنكر } على وجوه :

أحدها : المعروف الذي جاءت به الرسل ، وشرعوه للخلق ، ودعوا الخلق [ إليه ]( {[16214]} ) . والمنكر هو الذي ينكره كل عقل صحيح ، ولا يقبله ، ويستقبحه كل طبع سليم ، يعرف بالبداهة قبحه وفحشه( {[16215]} ) .

[ والثاني ]( {[16216]} ) : يعرف أنه معروف أو منكر عند التأمل والتفكر . فكله يرجع إلى واحد إلى ما ذكرنا بدءا ، لكنه يختلف في ما ذكرنا [ بدءا من السبب ]( {[16217]} ) .

وقوله تعالى : { واصبر على ما أصابك } من الأذى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ من ]( {[16218]} ) أهل السفه منهم والفسق ، فلا بد من أن يصيب الأذى من تولى ذلك . وهذا يدل أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اللوازم ، لا يسع تركه ، وإن أصابه الأذى في ذلك .

وقوله تعالى : { إن ذلك من عزم الأمور } قال بعضهم : إن ذلك من حزم الأمور ، والحزم من الإحكام للشيء وإتقانه ، كأنه يقول : إن ذلك من محكم الأمور ومتقنها ، لأن الشيء إذا حزم ، وشدد ، يؤمن من سقوطه وذهابه . فعلى ذلك ما ذكر .

وقال [ بعضهم ]( {[16219]} ) : العزم هو القطع والثبات على شيء ؛ يقول عزمت على كذا أو على أمر كذا ، إذا قطع تدبيره ورأيه واضطرابه ، وجعله بحيث لا يرجع ، ولا يتحول عنه للدنيا أو لأمر من أمورها ، ولكن ثبت على ما عزم ، وقطع ، [ هذا هو ]( {[16220]} ) العزم ، والله أعلم .


[16210]:من م، ساقطة من الأصل.
[16211]:في الأصل: حيث، في م: حيث قال.
[16212]:في الأصل وم: حيث.
[16213]:في الأصل وم: و.
[16214]:ساقطة من الأصل وم.
[16215]:في الأصل وم: وحسنه.
[16216]:في الأصل وم: أو.
[16217]:في الأصل: بدءا، في م: من السبب.
[16218]:ساقطة من الأصل وم.
[16219]:ساقطة من الأصل وم.
[16220]:في الأصل وم: فهو.