البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (17)

ولما نهاه أولاً عن الشرك ، وأخبره ثانياً بعلمه تعالى وباهر قدرته ، أمره بما يتوسل به إلى الله من الطاعات ، فبدأ بأشرفها ، وهو الصلاة ، حيث يتوجه إليه بها ، ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن جميعها ، أو على ما يصيبه بسبب الأمر بالمعروف ممن يبعثه عليه ، والنهي عن المنكر ممن ينكره عليه ، فكثيراً ما يؤذى فاعل ذلك ، وهذا إنما يريد به بعد أن يمثل هو في نفسه فيأتي بالمعروف .

إن ذلك إشارة إلى ما تقدم مما نهاه عنه وأمره به .

والعزم مصدر ، فاحتمل أن يراد به المفعول ، أي من معزوم الأمور ، واحتمل أن يراد به الفاعل ، أي عازم الأمور ، كقوله : { فإذا عزم الأمر } وقال ابن جريج : مما عزمه الله وأمر به ؛ وقيل : من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة .

والظاهر أنه يريد من لازمات الأمور الواجبة ، لأن الإشارة بذلك إلى جميع ما أمر به ونهى عنه .

وهذه الطاعات يدل إيصاء لقمان على أنها كانت مأموراً بها في سائر الملل .

والعزم : ضبط الأمر ومراعاة إصلاحه .

وقال مؤرج : العزم : الحزم ، بلغة هذيل .

والحزم والعزم أصلان ، وما قاله المبرد من أن العين قلبت حاء ليس بشيء ، لاطراد تصاريف كل واحد من اللفظين ، فليس أحدهما أصلاً للآخر .