اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ} (17)

قوله : { يا بنيَّ أَقِمِ الصلاة } لما منعه من الشرك وخوفه بعلم الله وقدرته أمره بما يلزم من التوحيد وهو الصلاة{[42469]} وهي العبادة لوجه الله مخلصاً وبهذا يعلم أن الصلاة كانت في سائر الملل غير أن هيئاته اختلفت{[42470]} . وقوله : { وَأْمُرْ بالمعروف وأنْهَ عَنِ المنكر } أي إذا كملت أنت في نفسك بعبادة الله فكمل غيرك فإن شغل الأنبياء رتبتهم{[42471]} عن العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم { واصبر على مَا أَصَابَكَ } يعني من الأذى لأن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذى فأمره بالصبر عليه{[42472]} .

فإن قيل : كيف قدم ( في{[42473]} ) وصيته لابنه الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر وحين أمر ابنه قدم النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف فقال : { لاَ تُشْرِكْ بالله } ثم قال : «أَقِم الصَّلاَةَ » ؟ .

فالجواب : أنه كان يعلم أن ابنه معترفٌ بوجودِ الإله فما أمره بهذا المعروف بل نهاه عن المنكر الذي يترتب على هذا المعروف ، وأما{[42474]} ابنه فأمره أمراً مطلقاً والمعروف يقدم على{[42475]} المنكر .

قوله : { مِنْ عَزْمِ الأمور } يجوز أن يكون عزم بمعنى مفعول أي من مَعْْزُوماتِ{[42476]} الأمور أو بمعنى عازم كقوله : { فَإِذَا عَزَمَ الأمر } [ محمد : 21 ] وهو مجاز بليغ ، وزعم المبرد أن العين{[42477]} تبدل حاء فيقال «حَزْم ، وعَزْم » والصحيح أنهما مادتان مختلفتان اتفقا في المعنى ، والمراد من الآية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى ( فيهما{[42478]} ) من الأمور الواجهة التي أمر الله تعالى بها ويعزم عليها لوجوبها .


[42469]:في "ب" وهي أيضاً.
[42470]:تفسير الفخر 25/148.
[42471]:في تفسير الفخر: "وورثتهم من العلماء" وهو الأصح من كلتا النسختين.
[42472]:انظر: التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي 25/148 في كل ما سبق.
[42473]:ساقط من "ب".
[42474]:في "ب" فأما.
[42475]:نقله في تفسير الفخر الرازي 25/149.
[42476]:انظر: 3/233، من تفسير الكشاف.
[42477]:نقله أبو حيان في البحر 7/188، قال: "وقال مؤرّج: العزم والحزم بلغة هذيل والحزم والعزم أصلان وما قاله المبرد من أن العين قلبت حاء، ليس بشيء لاطّراد تصاريف كل واحد من اللفظين وليس أحدهما أصلاً للآخر".
[42478]:سقط من ب.