المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

12- إذا رأوها ورأتهم من بعيد سمعوا لها صوتاً متغيظاً متحفزاً لإهلاكهم ، وفيه مثل الزفرات التي تخرج من صدر متغيظ علامة على ما هي عليه من شدة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

{ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } أي : قبل وصولهم ووصولها إليهم ، { سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا } عليهم { وَزَفِيرًا } تقلق منهم الأفئدة وتتصدع القلوب ، ويكاد الواحد منهم يموت خوفا منها وذعرا قد غضبت عليهم لغضب خالقها وقد زاد لهبها لزيادة كفرهم وشرهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ كَذّبُواْ بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيّظاً وَزَفِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ما كذّب هؤلاء المشركون بالله وأنكروا ما جئتهم به يا محمد من الحقّ ، من أجل أنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ، ولكن من أجل أنهم لا يوقنون بالمعاد ولا يصدّقون بالثواب والعقاب ، تكذيبا منهم بالقيامة وبعث الله الأموات أحياء لحشر القيامة . وأَعْتَدْنا يقول : وأعددنا لمن كذّب ببعث الله الأموات أحياء بعد فنائهم لقيام الساعة ، نارا تسّعر عليهم وتتقد . إذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ يقول : إذا رأت هذه النار التي أعتدناها لهؤلاء المكذّبين أشخاصَهم من مكان بعيد ، تغيظت عليهم وذلك أن تغلى وتفور . يقال : فلان تغيظ على فلان ، وذلك إذ غضب عليه فَغَلَى صدره من الغضب عليه وتبين في كلامه . وزفيرا ، وهو صوتها .

فإن قال قائل : وكيف قيل : سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا والتغيظ : لا يسمع ؟ قيل : معنى ذلك : سمعوا لها صوت التغيظ ، من التلهب والتوقد .

حدثني محمود بن خداش ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطيّ ، قال : حدثنا أصبع بن زيد الورّاق ، عن خالد بن كثير ، عن فُدَيك ، عن رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ يَقُولُ عَليّ ما لَمْ أقُلْ فَلْيَتَبَوّأْ بينَ عَيْنَيْ جَهَنّمَ مَقْعَدا » قالوا : يا رسول الله ، وهل لها من عين ؟ قال : «أَلمْ تَسْمَعُوا إلى قَوْلِ اللّهِ : إذَا رأتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ؟ » . . . الاَية .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر في قوله : سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا وَزَفِيرا قال : أخبرني المنصور بن المعتمر ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، قال : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك ولا نبيّ إلا خرّ ترعد فرائصه حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ، فيقول : يا ربّ لا أسألك اليوم إلا نفسي .

حدثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقي ، قال : حدثنا عُبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : «إن الرجل ليُجَرّ إلى النار ، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن ما لك ؟ فتقول : إنه ليستجير مني فيقول : أرسلُوا عبدي وإن الرجل ليُجَرّ إلى النار ، فيقول : يا ربّ ما كان هذا الظنّ بك فيقول : فما كان ظنك ؟ فيقول : أن تسعَني رحمتك قال : فيقول أرسلوا عبدي وإن الرجل ليجَرّ إلى النار فتشهق إليه النار شُهوق البغلة إلى الشعير وتَزِفْر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

{ إذا رأتهم } إذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه السلام " لا تتراءى ناراهما " أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز والتأنيث لأنه بمعنى النار أو جهنم . { من مكان بعيد } هو أقصى ما يمكن أن يرى منه . { سمعوا لها تغيظا وزفيرا } صوت تغيظ ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه ، هذا وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبنية أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر . وقيل إن ذلك لزبانيتها فنسب إليها على حذف المضاف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

تخلص من اليأس من اقتناعهم إلى وصف السعير الذي أعد لهم ، وأجري على السعير ضمير { رأتهم } بالتأنيث لتأويل السعير بجهنم إذ هو علم عليها بالغلبة كما تقدم .

وإسناد الرؤية إلى النار استعارة والمعنى : إذا سيقوا إليها فكانوا من النار بمكان ما يرى الرائي من وصل إليه سمعوا لها تغيظاً وزفيراً من مكان بعيد ، ويجوز أن يكون معنى : { رأتهم } رآهم ملائكتها أطلقوا منافذها فانطلقت ألسنتها بأصوات اللهيب كأصوات المتغيظ وزفيره فيكون إسناد الرؤية إلى جهنم مجازاً عقلياً .

والتغيظ : شدة الغيظ . والغيظ : الغضب الشديد ، وتقدم عند قوله : { عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } في سورة آل عمران ( 119 ) . فصيغة التفعل هنا الموضوعة في الأصل لتكلف الفعل مستعملة مجازاً في قوته لأن المتكلف لفعل يأتي به كأشد ما يكون .

والمراد به هنا صوت المتغيظ ، بقرينة تعلقه بفعل : { سمعوا } فهو تشبيه بليغ .

والزفير : امتداد النفَس من شدة الغيظ وضيق الصدر ، أي صوتاً كالزفير فهو تشبيه بليغ أيضاً . ويجوز أن يكون الله قد خلق لجهنم إدراكاً للمرئيات بحيث تشتد أحوالها عند انطباع المرئيات فيها فتضطرب وتفيض وتتهيأ لالتهام بعثها فتحصل منها أصوات التغيظ والزفير فيكون إسناد الرؤية والتغيظ والزفير حقيقة ، وأمور العالم الأخرى لا تقاس على الأحوال المتعارفة في الدنيا .

وعلى هذين الاحتمالين يحمل ما ورد في القرآن والحديث نحو قوله تعالى : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد } [ ق : 30 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً ، فأذن لها بنفسين نفس في الصيف ونفس في الشتاء " رواه في « الموطأ » : زاد في رواية مسلم : " فما ترون من شدة البرد فذلك من زمهريرها وما ترون من شدة الحر فهو من سَمُومها "

وجُعل إزجاؤهم إلى النار من مكان بعيد زيادة في الكناية بهم لأن بعد المكان يقتضي زيادة المشقة إلى الوصول ويقتضي طول الرعب مما سمعوا .

وصف وصولهم إلى جهنم من مكان بعيد ووضعهم فيها بقوله : { وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرَّنين دعوا هنالك ثبوراً } فصيغ نظمه في صورة توصيف ضجيج أهل النار من قوله : { دعوا هنالك ثبوراً } ، وأدمج في خلال ذلك وصف داخل جهنم ووصف وضع المشركين فيها بقوله : { مكاناً ضيقاً } وقوله : { مقرنين } تفنناً في أسلوب الكلام .