غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

قالت الأشاعرة : البنية ليست شرطاً في الحياة وتوابعها فأجروا قوله { إذا رأتهم } على ظاهره وقالوا : لا امتناع في كون النار حية رائية مغتاظة على الكفار . والمعتزلة أوّلوا فقالوا : معنى رأتهم ظهرت لهم في قولهم " دورهم تتراءى وتتناظر " كأن بعضها يرى بعضاً على سبيل المجاز . والمعنى إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها ، وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر . وقال الجبائي : ذكر النار وأراد خزنتها والمراد إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار وشهوة للانتقام منهم . قيل : التغيظ عبارة عن شدة الغضب وذلك لا يكون مسموعاً فكيف قال الله سبحانه { سمعوا لها تغيظ } وأجيب بأن المراد سماع ما يدل على الغيظ وهو الصوت أي سمعوا لها صوتاً يشبه صوت المتغيظ . قاله الزجاج وقال قطرب : علموا لها تغيظاً وسمعوا لها زفيراً كما قال الشاعر :

*** متقلداً سيفاً ورمحاً ***

يروى أن جهنم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا ترعد فرائصه حتى إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم يجثو على ركبتيه ويقول : نفسي نفسي .

وحين وصف حال الكفار إذا كانوا بالبعد من جهنم وصف حالهم عندما يلقون فيها . عن ابن عباس أنه يضيق عليهم المكان كما يضيق الزج على الرمح . وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " قال الكلبي : الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يخفضهم الداخلون فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة . وقال جار الله : الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض . وجاء في الأحاديث " إن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا " وقال الصوفية : المكان الضيق قلب الكافر في صدره كقوله { يجعل صدره ضيقاً حرجاً } [ الأنعام : 125 ] .

/خ1