الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { إذا رأتهم من مكان بعيد } قال : من مسيرة مائة عام .

وأخرج الطبراني وابن مردويه من طريق مكحول عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعداً من بين عيني جهنم » . قالوا : يا رسول الله وهل لجهنم من عين ؟ قال : نعم . أما سمعتم الله يقول { إذا رأتهم من مكان بعيد } فهل تراهم إلا بعينين .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق خالد بن دريك عن رجل من الصحابة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من يقل عليَّ ما لم أقل أو ادعى إلى غير والديه ، أو انتمى إلى غير مواليه ، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً . قيل : يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : نعم . أما سمعتم الله يقول { إذا رأتهم من مكان بعيد } » .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس قال : إن العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير ، ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف ، وإن الرجل من أهل النار ما بين شحمة أذنيه وبين منكبيه مسيرة سبعين سنة ، وإن فيها لأودية من قيح تكال ثم تصب في فيه .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير في قوله { سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } قال : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه حتى أن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول : يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي .

وأخرج ابن وهب في الأهوال عن العطاف بن خالد قال : « يؤتى بجهنم يومئذ يأكل بعضها بعضاً يقودها سبعون ألف ملك ، فإذا رأت الناس فذلك قوله { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } زفرت زفرة لا يبقى نبي ولا صديق إلا برك لركبتيه ويقول : يا رب نفسي نفسي ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمتي . . . أمتي » .

وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن مغيث بن سمي قال : ما خلق الله من شيء إلا وهو يسمع زفير جهنم غدوة وعشية ، إلا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب .

وأخرج آدم بن أبي اياس في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { إذا رأتهم من مكان بعيد } قال : من مسيرة مائة عام وذلك إذا أتي بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام يشد بكل زمام سبعون ألف ملك ، لو تركت لأتت على كل بر وفاجر { سمعوا لها تغيظاً وزفيراً } تزفر زفرة لا يبقى قطرة من دمع إلا بدرت ، ثم تزفر الثانية فتنقطع القلوب من أماكنها ، وتبلغ القلوب الحناجر .

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن كعب قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد ، ونزلت الملائكة صفوفاً فيقول الله لجبريل : ائت بجهنم ، فيأتي بها تقاد بسبعين ألف زمام حتى إذا كانت من الخلائق على قدر عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق ، ثم تزفر زفرة ثانية ، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى لركبتيه ، ثم تزفر الثالثة ، فتبلغ القلوب الحناجر ، وتذهل العقول ، فيفزع كل امرئ إلى عمله حتى أن إبراهيم عليه السلام يقول : بخلتي لا أسألك إلا نفسي . ويقول موسى : بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي . ويقول عيسى : بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي ، لا أسألك مريم التي ولدتني . ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول : أمتي . . . أمتي . . . لا أسألك اليوم نفسي . فيجيبه الجليل جل جلاله ألا إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . فوعزتي لأقرن عينك في أمتك ، ثم تقف الملائكة بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون .