الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

{ إذا رأتهم من مكان بعيد }[ 12 ] ، أي : إذا رأت النار أشخاصهم من مكان بعيد . { سمعوا لها تغيظا وزفيرا }[ 12 ] ، أي : غليانا وفوارا{[49532]} .

يقال{[49533]} ، فلان{[49534]} يتغيظ على فلان : إذا غضب عليه فغلى صدره من الغضب عليه . وزفيرا : أي : صوتها حين تزفر ، والتقدير سمعوا صوت التغيظ من التلهب{[49535]} والتوقد .

وقيل : معناه{[49536]} : سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظا وزفيرا .

وقال المسيب بن رافع{[49537]} : يكون الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ، فتخرج عنق من النار . فتقول : إني وكلت بثلاثة بمن دعا مع الله إلها آخر وبالعزيز الكريم{[49538]} ، وبكل جبار عنيد . فتنطوي{[49539]} بهم فتدخلهم النار قبل الناس بنصف يوم{[49540]} . ثم ينطلق الفقراء إلى الجنة فتقول لهم خزنة الجنة : أن{[49541]} لكم هذا قبل الحساب ؟ فيقولون والله ما أعطيتمونا أموالا وما كنا{[49542]} أمراء فتصدقهم{[49543]} الملائكة فتأذن{[49544]} ، فيدخلون الجنة قبل الناس بنصف يوم ويبقى الحساب على الأغنياء والأمراء ، فيقول الرب تبارك وتعالى : ( إياكم أعطيت ، وإياكم ابتليت ) فيحاسبون .

وقوله : { إذا رأتهم{[49545]} }[ 12 ] ، أتى لفظ التأنيث ، والسعير مذكر ، فإنما ذلك : لأن التأنيث راجع إلى النار ، لأن السعير هي النار{[49546]} وهذا كقول الشاعر{[49547]} :

إن تميما خلقت ملوما

فقال خلقت لأن تميما قبيلة ، ثم رجع إلى لفظ تميم فقال : ( مَلُوما ) ثم رجع إلى الجماعة فقال :

قوما{[49548]} ترى واحدهم صهميما .

والصهميم{[49549]} : الجمل القوي الشديد النفس .

قال ابن عباس{[49550]} : إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي ، وينقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن مالك ؟ قالت : إنه يستجيرك{[49551]} مني فيقول : أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار . فيقول : ما كان ظنك ؟ فيقول{[49552]} : أن تسعني رحمتك . فيقول : أرسلوا{[49553]} عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار{[49554]} شهيق البغل إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جأث{[49555]} .

وقيل{[49556]} : معنى { إذا{[49557]} رأتهم من مكان بعيد }[ 12 ] ، إذا رآه خزانها من مكان بعيد { سعوا لها تغيظا وزفيرا }[ 12 ] ، حرصا على عذابهم وغضبا لله عليهم ، فأخبر عن النار والسعير ، والمراد خزان النار الموكلون بها ، كما قال{[49558]} تعالى : { وكأين من قرية أمليت لها }{[49559]} ، يريد أهل القرية ، وكما قال : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك }{[49560]} ، يريد أهل القرية بدلالة قوله بعد ذلك { أهلكناهم فلا ناصر لهم }{[49561]} فرجع{[49562]} الخبر عن أهل القرية .


[49532]:"وفوارا" سقطت من ز.
[49533]:انظر: اللسان 6/450مادة: غيظ.
[49534]:"فلان" سقطت من ز.
[49535]:"التهلب"، وهو تصحيف.
[49536]:تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص13، وزاد المسير 6/75، رواية عن ابن قتيبة.
[49537]:المسيب بن رافع توفي سنة 105هـ انظر: خلاصة تذهيب الكمال ص323.
[49538]:ز: الحكيم.
[49539]:ز: فتنطوى لهم.
[49540]:ز: اليوم.
[49541]:ز: إن لكم.
[49542]:ز: ولا كنا.
[49543]:ز: فتصرفهم.
[49544]:ز: فيأذن.
[49545]:بعده في ز: "من مكان بعيد".
[49546]:انظر: التبيان 2/981، وإملاء ما من به الرحمن 2/161، وإعراب القرآن للدرويش 6/671.
[49547]:البيت لأبي عبيد انظر: تاج العروس 8/371 مادة صهم.
[49548]:ز: قوم. وهو تحريف، انظر: تاج العروس 8/371 مادة "صهم".
[49549]:انظر: تاج العروس 8/371 مادة "صهم".
[49550]:في ابن جرير "خاف"، 18/187، وفي ابن كثير كذلك انظر: 5/138.
[49551]:ز: أستجيرك.
[49552]:"فيقول" سقطت من ز.
[49553]:ز: "أن تسألوا" وهو تحريف.
[49554]:"إليه النار" سقطت من ز.
[49555]:ز: "جت" وجأث: شقل، انظر: اللسان: جأث، يقال: أثقله الحمل حتى جأث، لسان: جأث.
[49556]:انظر: القرطبي 13/7، وابن كثير5/138.
[49557]:من "إذا رأتهم...خزانها من مكان بعيد" ساقط من ز.
[49558]:من "كما قال تعالى...القرية" ساقط من ز.
[49559]:الحج: آية48.
[49560]:محمد: 13.
[49561]:انظر المصدر السابق
[49562]:ز: يرجع.