إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

وقولُه تعالى : { إِذَا رَأَتْهُمْ } الخ صفة للسَّعيرِ أي إذا كانت بمرأى الناظرِ في البُعد كقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : « لا تَتَراءَى نارَاهُما »{[591]} أيْ لا تتقاربانِ بحيثُ تكونُ إحدهُما بمرأى مِن الأُخرى على المجاز كأنَّ بعضَها يرى البعضَ . ونسبةُ الرُّؤيةِ إليها لا إليهم للإيذان بأنَّ التَّغيظَ والزَّفيرَ منها لهيجان غضبِها عليهم عند رُؤيتها إيَّاهم حقيقةً أو تمثيلاً . ومِن في قوله تعالى : { مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } إشعارٌ بأنَّ بُعدَ ما بينهما وبينهم من المسافة حين رأتهُم خارجٌ عن حدود البُعدِ المعتاد في المسافات المعهودةِ وفيه مزيدُ تهويلٍ لأمرها . قال الكَلْبيُّ والسُّدِّيُّ . من مسيرةِ عامٍ وقيل : من مسيرة مائةِ سنةٍ { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } أي صوتُ تغيظٍ على تشبيه صوتِ غليانها بصوتِ المُغتاظِ وزفيرِه وهو صوتٌ يُسمع من جوفِه . هذا وإن الحياةَ لمَّا لم تكُن مشروطةً عندنا بالبنية أمكن أنْ يخلقَ الله تعالى فيها حياةً فترى وتتغيظُ وتزفرُ ، وقيل : إنَّ ذلك لزبانيتها فنُسب إليها على حذفِ المضافِ .


[591]:أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد باب (95)؛ والنسائي في كتاب القسامة باب (26).