البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

{ إذا رأتهم } قيل هو حقيقة وإن لجهنم عينين وروي في ذلك أثر فإن صح كان هو القول الصحيح .

وإلاّ كان مجازاً ، أي صارت منهم بقدر ما يرى الرائي من البعد كقولهم : دورهم تتراءى أي تتناظر وتتقابل ، ومنه : لا تتراءى ناراهما .

وقال قوم : النار اسم لحيوان ناري يتكلم ويرى ويسمع ويتغير ويزفر حكاه الكرماني ، وقيل : هو على حذف مضاف أي رأتهم خزنتها من مكان بعيد ، قيل : مسيرة خمسمائة عام .

وقيل : مائة سنة .

وقيل : سنة { سمعوا لها } صوت تغيظ لأن التغيظ لا يسمع ، وإذا كان على حذف المضاف كان المعنى تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار وشهوة للانتقام منهم .

وقيل { سمعوا } صوت لهيبها واشتعالها وقيل هو مثل قول الشاعر :

فيا ليت زوجك قد غدا *** متقلداً سيفاً ورمحاً

وهذا مخرج على تخريجين أحدهما الحذف أي ومعتقلاً رمحاً .

والثاني تضمين ضمن متقلداً معنى متسلحاً فكذلك الآية أي { سمعوا لها } ورأوا { تغيظاً وزفيراً } وعاد كل واحد إلى ما يناسبه .

أو ضمن { سمعوا } معنى أدركوا فيشمل التغيظ والزفير .