السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

تنبيه : احتج أهل السنة على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى : { أُعدّت للمتقين } ( آل عمران ، 133 ) وعلى أن النار وهي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية : { إذا رأتهم من مكان بعيد } وهو أقصى ما تمكن رؤيتها منه ، وقال الكلبي والسدي : من مسيرة عام ، وقيل : من مسيرة مائة سنة ، روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً ، قالوا : وهل لها من عينين ؟ قال : نعم ، ألم تسمع قوله تعالى : إذا رأتهم من مكان بعيد » .

وقال البيضاوي : تبعاً للزمخشري : إذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه الصلاة والسلام : «لا تراءى ناراهما » أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز . انتهى ، وهذا تأويل للمعتزلة بناء منهم على أن الرؤية مشروطة بالحياة بخلاف الأشاعرة فإنهم يجوزون رؤيتها حقيقة كتغيظها وزفيرها في قوله تعالى : { سمعوا لها تغيظاً } أي : غلياناً كالغضبان إذ غلى صدره من الغضب { وزفيراً } أي : صوتاً شديداً إذ لا امتناع من أنها تكون رائية مغتاظة زافرة ، وأشار البيضاوي إلى ذلك بعد ما ذكر بقوله : هذا . وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبينة أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر ، وقال الجلال المحلي : وسماع التغيظ رؤيته وعلمه انتهى . قال عبد الله بن عمر : تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه ، وقيل : إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضباً عل الكفار للانتقام منهم ، فنسب إليها على حذف مضاف .