فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِذَا رَأَتۡهُم مِّن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظٗا وَزَفِيرٗا} (12)

{ إِذَا رَأَتْهُم } قيل : معناها إذا ظهرت لهم فكانت بمرأى الناظر في البعد ، وقيل : المعنى إذا رأتهم خزنتها وقيل : إن الرؤية هنا حقيقية وكذلك التغيظ والزفير ، ولا مانع من أن يجعلها الله سبحانه مدركة هذا الإدراك ، وهو الأرجح ومعنى { مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أنها رأتهم وهي بعيدة عنهم ، قيل : بينها وبينهم مسيرة خمسمائة عام ، وقيل : عام .

وعن ابن عباس قال : من مسيرة مائة عام ، وذلك إذا أتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام ، يشد بكل زمام سبعون ألف ملك لو تركت لأتت على كل بر وفاجر ، فترى تزفر زفرة لا تبقى قطرة من دمع إلا بدت ، ثم تزفر الثانية فتقطع القلوب من أماكنها ، وتبلغ القلوب الحناجر .

وعن رجل من الصحابة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يقل عليّ ما لم أقل ، أو ادعى إلى غير والديه أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا ، قيل : يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : " نعم أما سمعتم الله يقول : { إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ؟ } أخرجه عبد بن حميد وابن جرير من طريق خالد بن دريك ونحوه عند رزين في كتابه وصححه ابن العربي في قبسه ، وله لفظ بمعناه .

وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصران ، وأذنان تسمعان ولسان ينطق ، يقول : إني وكلت بثلاث بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إله آخر . وبالمصورين ) {[1313]}وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب صحيح .

{ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا } أي : غليانا كالغضبان إذا على صدره من الغضب ، يعني : أن لها صوتا يدل على التغيظ على الكفار أو لغليانها صوتا يشبه صوت المغتاط . { وَزَفِيرًا } هو الصوت ، أي سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ وقال قطرب : أراد علموا لها تغيظا ، وسمعوا لها زفيرا ، وقيل المعنى فيها تغيظا ، وزفيرا للمعذبين ، كما قال لهم فيها زفير وشهيق ، وفي واللام ، متقاربان بأن تقول هذا الله وفي الله


[1313]:الترمذي كتاب جهنم باب 1 – الإمام أحمد 2/336- 3/40.