فأول هذه القصة { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ } في ملكه وسلطانه وجنوده وجبروته ، فصار من أهل العلو فيها ، لا من الأعلين فيها .
{ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا } أي : طوائف متفرقة ، يتصرف فيهم بشهوته ، وينفذ فيهم ما أراد من قهره ، وسطوته .
{ يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ } وتلك الطائفة ، هم بنو إسرائيل ، الذين فضلهم اللّه على العالمين ، الذين ينبغي له أن يكرمهم ويجلهم ، ولكنه استضعفهم ، بحيث إنه رأى أنهم لا منعة لهم تمنعهم مما أراده فيهم ، فصار لا يبالي بهم ، ولا يهتم بشأنهم ، وبلغت به الحال إلى أنه { يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } خوفا من أن يكثروا ، فيغمروه في بلاده ، ويصير لهم الملك .
{ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } الذين لا قصد لهم في إصلاح الدين ، ولا إصلاح الدنيا ، وهذا من إفساده في الأرض .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } .
يقول تعالى ذكره : إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر ، وعلا أهلها وقهرهم ، حتى أقرّوا له بالعبودة . كما :
حدثنا محمد بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ يقول : تجبر في الأرض .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ أي بغى في الأرض .
وقوله : وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعني بالشيع : الفِرَق ، يقول : وجعل أهلَها فِرقا متفرّقين . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا : أي فرقا يذبح طائفة منهم ، ويستحيي طائفة ، ويعذّب طائفة ، ويستعبد طائفة . قال الله عزّ وجلّ : يُذَبّحُ أبْناءَهُمْ ، وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ ، إنّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه ، أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر ، فأحرقت القبط ، وتركت بني إسرائيل ، وأحرقت بيوت مصر ، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة ، فسألهم عن رؤياه ، فقالوا له : يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه ، يعنون بيت المقدس ، رجل يكون على وجهه هلاك مصر ، فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلاّ ذبحوه ، ولا تولد لهم جارية إلاّ تركت ، وقال للقبط : انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا ، فأدخلوهم ، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة ، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم ، وأدخلوا غلمانهم ، فذلك حين يقول : إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعني بني إسرائيل حين جعلهم في الأعمال القذرة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال : فرّق بينهم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال : فِرَقا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال : الشيع : الفِرَق .
وقوله : يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ذكر أن استضعافه إياها كان استعباده . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة : يستعبد طائفة منهم ، ويذبح طائفة ، ويقتل طائفة ، ويستحيي طائفة .
وقوله : إنّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ يقول : إنه كان ممن يفسد في الأرض بقتله من لا يستحقّ منه القتل ، واستعباده من ليس له استعباده وتجبره في الأرض على أهلها ، وتكبره على عبادة ربه .
{ إن فرعون علا في الأرض } استئناف " مبين " لذلك البعض ، والأرض أرض مصر . { وجعل أهلها شيعا } فرقا يشيعونه فيما يريد ، أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو أصنافا في استخدامه استعمل كل صنف في عمل ، أو أحزابا بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه . { يستضعف طائفة منهم } وهم بنو إسرائيل ، والجملة حال من فاعل { جعل } أو صفة ل { شيعا } أو استئناف ، وقوله : { يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } بدل منها ، وكان ذلك لأن كاهنا قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده ، وذلك كان من غاية حمقه فإنه لو صدق لم يندفع بالقتل وإن كذب فما وجهه . { إنه كان من المفسدين } فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.