النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : ببغيه في استعباد بني إسرائيل وقتل أولادهم ، قاله قتادة .

الثاني : بكفره وادعاء الربوبية .

الثالث : بملكه وسلطانه .

وهذه الأرض أرض مصر لأن فرعون ملك مصر ولم يملك الأرض كلها . ومصر تسمى الأرض ولذلك قيل لبعض نواحيها الصعيد .

وفي علوه وجهان :

أحدهما : هو لظهوره في غلبته .

الثاني : كبره وتجبره .

{ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } أي فرقاً . قاله قتادة : فَرّق بين بني إسرائيل والقبط .

{ يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ } وهم بنو إسرائيل بالاستعباد بالأعمال القذرة .

{ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ } قال السدي : إن فرعون رأى في المنام أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه عن تأويله ، فقالوا : يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر ، فأمر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ، وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل فقال القبط لفرعون : إن شيوخ بني إسرائيل قد فنوا بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا [ فأمر ] أن يستحيوا في عام ويقتلوا في عام فولد هارون في عام الاستحياء وموسى في عام القتل . وطال بفرعون العمر حتى حكى النقاش أنه عاش أربعمائة سنة وكان دميماً قصيراً ، وكان أول من خضب بالسواد . وعاش موسى مائة وعشرين سنة .