جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (4)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره : إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر ، وعلا أهلها وقهرهم ، حتى أقرّوا له بالعبودة . كما :

حدثنا محمد بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ إنّ فِرْعَوْنَ عَلا في الأرْضِ يقول : تجبر في الأرض .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ أي بغى في الأرض .

وقوله : وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعني بالشيع : الفِرَق ، يقول : وجعل أهلَها فِرقا متفرّقين . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا : أي فرقا يذبح طائفة منهم ، ويستحيي طائفة ، ويعذّب طائفة ، ويستعبد طائفة . قال الله عزّ وجلّ : يُذَبّحُ أبْناءَهُمْ ، وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ ، إنّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه ، أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر ، فأحرقت القبط ، وتركت بني إسرائيل ، وأحرقت بيوت مصر ، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة ، فسألهم عن رؤياه ، فقالوا له : يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه ، يعنون بيت المقدس ، رجل يكون على وجهه هلاك مصر ، فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلاّ ذبحوه ، ولا تولد لهم جارية إلاّ تركت ، وقال للقبط : انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا ، فأدخلوهم ، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة ، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم ، وأدخلوا غلمانهم ، فذلك حين يقول : إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعني بني إسرائيل حين جعلهم في الأعمال القذرة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال : فرّق بينهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال : فِرَقا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال : الشيع : الفِرَق .

وقوله : يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ذكر أن استضعافه إياها كان استعباده . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة : يستعبد طائفة منهم ، ويذبح طائفة ، ويقتل طائفة ، ويستحيي طائفة .

وقوله : إنّهُ كانَ مِنَ المُفْسِدِينَ يقول : إنه كان ممن يفسد في الأرض بقتله من لا يستحقّ منه القتل ، واستعباده من ليس له استعباده وتجبره في الأرض على أهلها ، وتكبره على عبادة ربه .