فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (4)

{ إن فرعون علا في الأرض } مستأنفة مسوقة لبيان ما أجمله من النبأ . قال المفسرون : معنى تكبر وتعظم وتجبر بسلطانه ، والمراد بالأرض أرض مصر ، وقيل : معنى { علا } ادعى الربوبية ، وقيل : علا عن عبادة ربه { وجعل أهلها شيعا } أي : فرقا وأصنافا في خدمته يشايعونه على ما يريد ويطيعونه ، قال مجاهد : فرق بينهم ، وقال قتادة : يستبعد طائفة منهم ، ويدع طائفة ويقتل طائفة ، ويستحيي طائفة ، أو فرقا متفرقة ، قد أغرى بينهم العداوة والبغضاء لئلا تتفق كلمتهم .

{ يستضعف طائفة منهم } مستأنفة مسوقة لبيان حال أهل الذين جعلهم فرقا وأصنافا ، ويجوز أن تكون حالا من فاعل .

( جعل ) أي : جعلهم شيعا ، حال كونه مستضعفا طائفة منهم ، ويجوز أن تكون صفة لطائفة . والطائفة هم بنو إسرائيل ، فإنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم ، وذلك أن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس ، وعملوا المعاصي ، ولم يأمروا بالمعروف ، ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفهم ، إلى أن أنجاهم الله على يد موسى عليه السلام .

{ يذبح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم } بدل من الجملة الأولى ، أو مستأنفة للبيان ، أو حال ، أو صفة كالتي قبلها ، وإنما كان فرعون يذبح أبناءهم ويترك نساءهم و يستبقيهم لأن المنجمين في ذلك العصر أخبروه أنه يذهب ملكه يد مولود من بني إسرائيل .

قال الزجاج : والعجب من حمق فرعون ، فإن الكاهن الذي أخبره بذلك إن كان صادقا عنده فما ينفع القتل ؟ وإن كان كاذبا فلا معنى للقتل ، وقد قيل : إنه ذبح سبعين ألفا .

{ إنه كان من المفسدين } الراسخين في الإفساد في الأرض بالمعاصي والتجبر ، ولذلك اجترأ على مثل تلك الجريمة العظيمة من قتل المعصومين من أولاد الأنبياء عليهم السلام ، وفيه بيان أن القتل من فعل أهل الفساد .