الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (4)

{ إِنَّ فِرْعَوْنَ } جملة مستأنفة كالتفسير للمجمل ، كأن قائلاً قال : وكيف كان نبؤهما فقال : إن فرعون { عَلاَ فِى الارض } يعني أرض مملكته قد طغى فيها وجاوز الحدّ في الظلم والعسف { شِيَعاً } فرقا يشيعونه على ما يريد ويطيعونه ، لا يملك أحد منهم أن يلوي عنقه . قال الأعشى :

وَبَلْدَةٍ يَرْهَبُ الْجَوَّابُ دُلْجَتَهَا *** حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا

أو يشيع بعضهم بعضاً في طاعته . أو أصنافاً في استخدامه يتسخر صنفاً في بناء وصنفاً في حرث وصنفاً في حفر ، ومن لم يستعمله ضرب عليه الجزية ، أو فرقاً مختلفة قد أغرى بينهم العداوة ، وهم بنو إسرائيل والقبط . والطائفة المستضعفة : بنو إسرائيل : وسبب ذبح الأبناء : أنّ كاهناً قال له : يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده . وفيه دليل بيّن على ثخانة حمق فرعون ، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن ، وإن كذب فما وجه القتل ؟ و { يَسْتَضْعِفُ } حال من الضمير في { وَجَعَلَ } أو صفة لشيعا . أو كلام مستأنف . و { يُذَبِّحُ } بدل من يستضعف . وقوله : { إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين } بيان أنّ القتل ما كان إلا فعل المفسدين فحسب ، لأنه فعل لا طائل تحته ، صدق الكاهن أو كذب .