بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (4)

ثم أخبر عن فرعون فقال تعالى : { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الأرض } يعني : اسْتَكْبَرَ وتعظم عن الإيمان ، وخالف أمر موسى في أرض مصر { وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً } يعني : أهل مصر فرقاً { يَسْتَضْعِفُ } يعني : يستقهر { طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ } يعني : من أهل مصر ، وهم بنو إسرائيل ، فجعل بعضهم ينقل الحجارة من الجبل ، وبعضهم يعملون له عمل النجارة ، وبعضهم أعمال الطين ، ومن كان لا يصلح لشيء من أعماله يأخذ منه كل يوم ضريبة درهماً ، فإذا غابت الشمس ، ولم يأت بالضريبة غلت يده اليمنى إلى عنقه ، ويأمره بأن يعمل بشماله ، هكذا شهراً . ثم قال : { يُذَبّحُ أَبْنَاءهُمْ } أي يعني : أبناء بني إسرائيل صغاراً . { يستحيي نساءهم } يعني : يستخدم نساءهم ، وأصله من الاستحياء . يعني : يتركهن أحياء .

وروى أسباط عن السدي قال : بلغنا أن فرعون رأى فيما يرى النائم ، كأن ناراً أقبلت من أرض الشام ، فاشتملت على بيوت مصر ، وكانت الشام أرض بني إسرائيل أول ما كانوا ، فأحرقتها كلها إلا بيوت بني إسرائيل ، فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا : يولد في بني إسرائيل مولود ، يكون على يديه هلاك أهل مصر ، فأمر فرعون بأن لا يولد في بني إسرائيل ذكر إلا ذبح ، وعمد إلى ما كان من بني إسرائيل خارج مصر ، فأدخلهم المدينة ، واستعبدهم ، ورفع العمل عن رقاب أهل مصر ، ووضعه على بني إسرائيل ثم قال : { إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين } يعني : فرعون كان يعمل بالمعاصي .