فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين : أن يأذن الله له في الكلام ، وأن يكون ما تكلم به صوابا ، لأن { ذَلِكَ الْيَوْمُ } هو { الْحَقُّ } الذي لا يروج فيه الباطل ، ولا ينفع فيه الكذب ، وفي ذلك اليوم { يَقُومُ الرُّوحُ } وهو جبريل عليه السلام ، الذي هو أشرف الملائكة{[1345]} { وَالْمَلَائِكَةِ } [ أيضا يقوم الجميع ]
{ صَفًّا } خاضعين لله { لَا يَتَكَلَّمُونَ } إلا بما أذن لهم الله به{[1346]} .
وقوله : يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ اختلف أهل العلم في معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو مَلك من أعظم الملائكة خَلْقا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن خلف العَسْقَلانيّ ، قال : حدثنا روّاد بن الجرّاح ، عن أبي حمزة ، عن الشعبيّ ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : الرّوح ملك في السماء الرابعة ، هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة ، يسبح الله كلّ يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله من كلّ تسبيحة مَلَكا من الملائكة ، يجيء يوم القيامة صفّا وحده .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ والمَلائِكَةُ قال : هو ملك أعظم الملائكة خَلْقا .
وقال آخرون : هو جبريل عليه السلام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ قال جبريل عليه السلام .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الضحاك يَوْمَ يَقُومُ الرّوح قال : الروح : جبريل عليه السلام .
حدثنا محمد بن خَلَف العَسْقَلانيّ ، قال : حدثنا روّاد بن الجرّاح ، عن أبي حمزة عن الشعبيّ يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ قال : الروح جبريل عليه السلام .
وقال آخرون : خَلْق من خلق الله في صورة بني آدم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال الرّوحُ خَلْقٌ على صورة بني آدم ، يأكلون ويشربون .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن مسلم ، عن مجاهد ، قال الرّوح : خلق لهم أيد وأرجل وأراه قال : ورؤوس يأكلون الطعام ، ليسوا ملائكة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : يشبهون الناس ، وليسوا بالناس .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن مجاهد ، قال الرّوحُ : خَلْق كخلق آدم .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الأعمش ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا قال : الروح خلق من خلق الله يُضْعِفون على الملائكة أضعافا ، لهم أيد وأرجل .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح مولى أم هانىء يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ قال : الروح : خلق كالناس ، وليسوا بالناس .
وقال آخرون : هم بنو آدم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ الرّوح قال : هم بنو آدم ، وهو قول الحسن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ : قال : الروح بنو آدم . وقال قتادة : هذا مما كان يكتمه ابن عباس .
وقال آخرون : قيل : ذلك أرواح بني آدم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا لا يَتَكَلّمُونَ قال : يعني حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة ، فيما بين النفختين ، قبل أن تردّ الأرواح إلى الأجساد .
وقال آخرون : هو القرآن . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، كان أبي يقول : الروح : القرآن ، وقرأ وكَذَلِكَ أَوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الْكِتابُ وَلا الإيمَانُ .
والصواب من القول أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ خَلْقه لا يملكون منه خطابا ، يوم يقوم الرّوح ، والرّوح : خَلْق من خلقه . وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت ، والله أعلم أيّ ذلك هو ؟ ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعنيّ به دون غيره ، يجب التسليم له ، ولا حجة تدلّ عليه ، وغير ضائر الجهل به .
وقيل : إنه يقول : سِمَاطان . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا منصور بن عبد الرحمن ، عن الشعبيّ ، في قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا لا يَتَكَلّمُونَ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ قال : هما سِماطان لربّ العالمين ، يوم القيامة : سِماط من الروح ، وسِماط من الملائكة .
وقوله : لا يَتَكَلّمُونَ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ قيل : إنهم يُؤْذَن لهم في الكلام ، حين يُؤْمَر بأهل النار إلى النار ، وبأهل الجنة إلى الجنة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو عمرو ، الذي يقصّ في طيء عن عكرمة ، وقرأ هذه الاَية : إلا مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا قال : يمرّ بأناس من أهل النار على ملائكة ، فيقولون : أين تذهبون بهؤلاء ؟ فيقال : إلى النار ، فيقولون : بما كَسَبت أيديهم ، وما ظلمهم الله ، ويمرّ بأناس من أهل الجنة على ملائكة ، فيقال : أين تذهبون بهؤلاء ؟ فيقولون : إلى الجنة ، فيقولون : برحمة الله دخلتم الجنة ، قال : فيُؤذَن لهم في الكلام ، أو نحو ذلك .
وقال آخرون : إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحمنُ بالتوحيد وَقالَ صَوَابا في الدنيا ، فوحّد الله . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا يقول : إلا من أذن له الربّ بشهادة أن لا إله إلا الله ، وهي منتهى الصواب .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَقالَ صَوَابا قال حقا في الدنيا ، وعمل به .
حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ ، وَقالَ صَوَابا قال : لا إله إلا الله .
قال أبو حفص : فحدثت به يحيى بن سعيد ، فقال : أنا كتبته عن عبد الرحمن بن مهديّ ، عن أبي معاوية .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر العَدَنيّ ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرِمة في قوله : إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا قال : لا إله إلا الله .
والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنهم لا يتكلمون يوم يقوم الروح والملائكة صفا ، إلا من أذن له منهم في الكلام الرحمن ، وقال صوابا ، فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه ، ولا على لسان رسوله ، أنه عَنَى بذلك نوعا من أنواع الصواب ، والظاهر محتمل جميعه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.