{ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ } الذي له الحمد في الأولى والآخرة ومن جميع الخلق ، خصوصا أهل الاختصاص والصفوة من عباده ، فإن الذي ينبغي أن يقع منهم من الحمد والثناء على ربهم أعظم مما يقع من غيرهم لرفعة درجاتهم وكمال قربهم منه وكثرة خيراته عليهم .
{ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا } معرفة تدلكم على الحق والباطل ، فلا بد أن يريكم من آياته ما تستنيرون به في الظلمات . { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ }
{ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بل قد علم ما أنتم عليه من الأعمال والأحوال وعلم مقدار جزاء تلك الأعمال وسيحكم بينكم حكما تحمدونه عليه ولا يكون لكم حجة بوجه من الوجوه عليه .
تم تفسير سورة النمل بفضل الله وإعانته وتيسيره .
ونسأله تعالى أن لا تزال ألطافه ومعونته مستمرة علينا وواصلة منه إلينا ، فهو أكرم الأكرمين وخير الراحمين وموصل المنقطعين ومجيب السائلين .
ميسر الأمور العسيرة وفاتح أبواب بركاته والمجزل في جميع الأوقات هباته ، ميسر القرآن للمتذكرين ومسهل طرقه وأبوابه للمقبلين وممد مائدة خيراته ومبراته للمتفكرين والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
على يد جامعه وممليه عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ، وذلك في 22 رمضان سنة 1343 .
المجلد السادس من تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، من منن الله على الفقير إلى المعيد المبدي : عبده وابن عبده وابن أمته : عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن سعدي غفر الله له آمين .
ثم ختم السورة الكريمة بهذا التوجيه الكريم ، للرسول صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - : { وَقُلِ الحمد للَّهِ } .
أى : وقل - أيها الرسول الكريم - للناس : الثناء كله ، والفضل كله ، لله - تعالى - وحده . وهو - سبحانه - { سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } الدالة على وحدانيته وقدرته { فَتَعْرِفُونَهَا } أى : فتعرفون صدقها . .
وصدق الله - عز وجل - ففى كل يوم ، بل فى كل ساعة ، يرى عبادة بعض آياته الدالة على وحدانيته وقدرته ، فى أنفسهم ، وفى آفاق هذا الكون وما أحكم قوله - تعالى - : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق } ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الجملة التى تحمل طابع التهديد والوعيد لمن خالف أمره ، فقال - تعالى - : { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } .
أى : وما ربك - أيها الرسول الكريم - بغافل عما يعمله الناس ، وما يقولونه لك ، وما يتهمونك به ، فسر فى طريقك ، وبلغ ما أمرك - سبحانه - بتبليغه ، فإن العاقبة لك ولأتباعك المؤمنين ، أما الكافرون والمنافقون فنحن الذى سنتولى حسابهم . . .
كان ما أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقوله للمعاندين مشتملاً على أن الله هداه للدين الحق من التوحيد وشرائع الإسلام وأن الله هدى به الناس بما أنزل الله عليه من القرآن المتلو ، وأنه جعله في عداد الرسل المنذرين ، فكان ذلك من أعظم النعم عليه في الدنيا وأبشرها بأعظم درجة في الآخرة من أجل ذلك أمر بأن يحمد الله بالكلمة التي حمد الله بها نفسه وهي كلمة { الحمد لله } الجامعة لمعان من المحامد تقدم بيانها في أول سورة الفاتحة . وقد تقدم الكلام على قوله { قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى } في هذه السورة ( 59 ) .
ثم استأنف بالاحتراس مما يتوهمه المعاندون حين يسمعون آيات التبرؤ من معرفة الغيب ، وقصر مقام الرسالة على الدعوة إلى الحق من أن يكون في ذلك نقض للوعيد بالعذاب فختم الكلام بتحقيق أن الوعيد قريب لا محالة وأن الله لا يخلف وعده فتظهر لهم دلائل صدق الله في وعده . ولذلك عبر عن الوعيد بالآيات إشارة إلى أنهم سيحل بهم ما فيه تصديق لما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم حين يوقنون أن ما كان يقول لهم هو الحق ، فمعنى { فتعرفونها } تعرفون دلالتها على ما بلغكم الرسول من النذارة لأن المعرفة لما علقت بها بعنوان أنها آيات الله كان متعلق المعرفة هو ما في عنوان الآيات من معنى الدلالة والعلامة .
والسين تؤذن بأنها إراءة قريبة ، فالآيات حاصلة في الدنيا مثل الدخان ، وانشقاق القمر ، واستئصال صناديدهم يوم بدر ، ومعرفتهم إياها تحصل عقب حصولها ولو في وقت النزع والغرغرة . وقد قال أبو سفيان ليلة الفتح : لقد علمت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً . وقال تعالى { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق } [ فصلت : 53 ] . فمن الآيات في أنفسهم إعمال سيوف المؤمنين الذين كانوا يستضعفونهم في أعناق سادتهم وكبرائهم يوم بدر . قال أبو جهل وروحه في الغلصمة يوم بدر « وهل أعمد من رجل قتله قومه » يعني نفسه وهو ما لم يكن يخطر له على بال .
وقوله { وما ربك بغافل عما تعملون } قرأه نافع وابن عامر وحفص وأبو جعفر ويعقوب { تعملون } بتاء الخطاب فيكون ذلك من تمام ما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يقوله للمشركين . وفيه زيادة إنذار بأن أعمالهم تستوجب ما سيرونه من الآيات . والمراد : ما يعملونه في جانب تلقي دعوة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقرآنه لأن نفي الغفلة عن الله مستعمل في التعريض بأنه منهم بالمرصاد لا يغادر لهم من عملهم شيئاً .
وقرأ الباقون { يعملون } بياء الغيبة فهو عطف على { قل } ، والمقصود تسلية الرسول عليه السلام بعدما أمر به من القول بأن الله أحصى أعمالهم وأنه مجازيهم عنها فلا ييأس من نصر الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.