يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ } لدعوتك ، ويلبي رسالتك ، وينقاد لأمرك ونهيك { الَّذِينَ يَسْمَعُونَ } بقلوبهم ما ينفعهم ، وهم أولو الألباب والأسماع .
والمراد بالسماع هنا : سماع القلب والاستجابة ، وإلا فمجرد سماع الأذن ، يشترك فيه البر والفاجر . فكل المكلفين قد قامت عليهم حجة الله تعالى ، باستماع آياته ، فلم يبق لهم عذر ، في عدم القبول .
{ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } يحتمل أن المعنى ، مقابل للمعنى المذكور . أي : إنما يستجيب لك أحياء القلوب ، وأما أموات القلوب ، الذين لا يشعرون بسعادتهم ، ولا يحسون بما ينجيهم ، فإنهم لا يستجيبون لك ، ولا ينقادون ، وموعدهم القيامة ، يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ، ويحتمل أن المراد بالآية ، على ظاهرها ، وأن الله تعالى يقرر المعاد ، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون .
ويكون هذا ، متضمنا للترغيب في الاستجابة لله ورسوله ، والترهيب من عدم ذلك .
ثم بين - سبحانه - من هم أهل للإيمان والاستجابة للحق فقال :
{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ } أى : إنما يستجيب لك أيها الرسول الكريم أولئك الذين يسمعون توجيهك وأقوالك سماع تدبر وتفهم وتأثر ، أما هؤلاء الذين يعاندونك فقد طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون .
فالمراد بالاستجابة هنا ، الإجابة المقرونة بالتفكر والتأمل ، فهى إجابة محكمة دقيقة لأنها أتت بعد استقراء وتدبر وهذا ما تدل عليه السين .
ثم بين - سبحانه - حال الكفار فقال : { والموتى يَبْعَثُهُمُ الله ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } أى : وموتى القلوب الذين لا يسمعون سماع تدبر وتقبل وهم المشركون ، سيبعثهم الله من قبورهم يوم القيامة ويحاسبهم حسابا عسيرا على أقوالهم الباطلة وأعمالهم السيئة .
فالمراد بالموتى هنا الكفار لأنهم موتى القلوب فشبههم - سبحانه - بموتى الأجساد ، وهذا من باب التهكم بهم والتحقير من شأنهم .
وقيل : إن لفظ الموتى على حقيقته وأن الله - تعالى - بقدرته النافذة سيبعث الجميع يوم القيامة ويرجعهم إليه فيجازى الذين أساؤا بما عملوا ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .
هذا من النمط المتقدم في التسلية أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يقيمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول ، فعبر عن ذلك كله ب { يسمعون } إذ هو طريق العلم بالنبوة والآيات المعجزة ، وهذه لفظة تستعملها الصوفية إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغاً شافياً قالوا سمع{[4903]} .
ثم قال تعالى : { والموتى } يريد الكفار ، فعبر ، عنهم بضد ما عبر عن المؤمنين وبالصفة التي تشبه حالهم في العمى عن نور الله تعالى والصمم عن وعي كلماته ، قاله مجاهد وقتادة والحسن ، و { يبعثهم الله } يحتمل معنيين قال الحسن معناه «يبعثهم الله » بأن يؤمنوا حين يوقفهم .
قال القاضي أبو محمد : فتجيء الاستعارة في هذا التأويل ، في الوجهين في تسميتهم موتى وفي تسمية إيمانهم وهدايتهم بعثاً ، والواو على هذا مشركة في العامل عطفت { الموتى } على { الذين } ، و { يبعثهم الله } في موضع الحال ، وكأن معنى الآية إنما يستجيب الذين يرشدون حين يسمعون فيؤمنون والكفار حين يرشدهم الله بمشيئته ، فلا تتأسف أنت ولا تستعجل ما لم يُقدَّر ، وقرأ الحسن «ثم إليه يرجعون »{[4904]} فتناسبت الآية ، وقال مجاهد وقتادة : { والموتى } يريد الكفار ، أي هم بمثابة الموتى حين لا يرون هدى ولا يسمعون فيعون ، و { يبعثهم الله } أي : يحشرهم يوم القيامة { ثم إليه } أي إلى سطوته وعقابه { يرجعون } وقرأت هذه الطائفة يرجعون بياء ، والواو على هذا عاطفة جملة كلام على جملة ، { الموتى } مبتدأ و { يبعثهم الله } خبره ، فكأن معنى الآية إنما يستجيب الذين يسمعون فيعون ، والكفار سيبعثهم الله ويردهم إلى عقابه ، فالآية على هذا متضمنة الوعيد للكفار ، والعائد على { الذين } هو الضمير في { يسمعون } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا يكبرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربهم والإقرار بنبوّتك، فإنه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحقّ وسهّل لهم اتباع الرشد، دون من ختم الله على سمعه فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحقّ إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رعاتها، فهم كما وصفهم به الله تعالى: {صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}.
{والمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ}: والكفار يبعثهم الله مع الموتى، فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتا ولا يعقلون دعاء ولا يفقهون قولاً؛ إذ كانوا لا يتدبرون حجج الله ولا يعتبرون آياته ولا يتذكرون فينزجروا عما هم عليه من تكذيب رسل الله وخلافهم.
عن قتادة، قوله: {إنّما يَسْتَجِيبُ الّذِينَ يَسْمَعُونَ...} قال: هذا مثل المؤمن سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله، والذين كذّبوا بآياتنا صمّ وبكم، وهذا مثل الكافر أصمّ أبكم، لا يبصر هدى ولا ينتفع به.
{ثُمّ إلَيْهِ يُرْجَعُونَ}: ثم إلى الله يرجعون، المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول، والكفار الذين يحول الله بينهم وبين أن يفقهوا عنك شيئا، فيثيب هذا المؤمن على ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل الإيمان به من الثواب، ويعاقب هذا الكافر بما أوعد أهل الكفر به من العقاب، لا يظلم أحدا منهم مثقال ذرّة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إنما يستجيب الذين يسمعون} معناه: والله أعلم إنما يستجيب الذين ينتفعون بما يسمعون، وإلا كانوا يسمعون جميعا. لكن الوجه فيه ما ذكرنا: أنه إنما يجيب الذين ينتفعون بما يسمعون، وهو كقوله تعالى: {إنما تنذر من اتبع الذكر} [يس: 11] كان النبي صلى الله عليه وسلم ينذر من اتبع الذكر ومن لم يتبع. لكن انتفع بالإنذار من اتبع الذكر، ولم ينتفع من لم يتبع، وهو ما ذكر عز وجل {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات: 55] أخبر أن {الذكرى تنفع المؤمنين} لا تنفع غيرهم. وقوله تعالى: {والموتى يبعثهم الله} اختلف فيه: قال بعضهم: {والموتى يبعثهم الله} على الابتداء {ثم إليه يرجعون}. وقال قائلون: أراد بالموتى الكفار؛ سمى الكافر ميتا والمؤمن حيا في غير موضع من القرآن كقوله تعالى: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات} [الأنعام: 122] فهو، والله أعلم أن جعل لكل بشر سمعين وبصرين وحياتين [سمعا أبديا] في الآخرة، [وبصرا أبديا] في الآخرة. وكذلك جعل لكل أحد حياتين: حياة الآخرة وحياة منقضية، وهي حياة الدنيا، وكذلك [جعل لكل أحد سمعا أبديا] وهو سمع الآخرة، [وسمعا ذا] مدة، لها انقضاء، وهو سمع الدنيا. ثم نفى السمع والبصر والحياة عمن لم يدرك بهذا السمع والبصر والحياة التي جعل له في الدنيا، ولم يبصر سمع الأبدية لأنه إنما جعل لهم هذا في الدنيا ليدركوا بهذا ذاك. وكذلك العقول التي ركبت في البشر، إنما ركبت ليدركوا بها، ويبصروا ذلك الأبدي، وإلا كان تركيب هذه العقول في البشر لهذه الدنيا خاصة لا لعواقب تتأمل للجزاء والعقاب. فالبهائم قد تدرك بالطبع ذلك القدر، وتعرف ما يؤتى ويتقى، وما يصلح لها. فدل أن تركيب العقول في من ركب إنما ركب لا لما يدرك هذا، إذ يدرك ذلك المقدار بالطبع من لم يركب فيه، وهي البهائم التي ذكرنا. والسمع والبصر والحياة قد [جعلها الله] في الدنيا لمعاشهم ومعادهم، وكذلك جعل لهم اللسان لينطق بحوائجهم في الدنيا، يعرف بعضهم من بعض المحاجة في الدنيا، ويدرك به الأزلي، فإذا لم ينتفعوا بذلك أزال عنهم ذلك، وسماهم العمي والصم والبكم. ألا ترى أنه قال "{صم بكم عمي} [البقرة: 18 و 171] لما لم ينتفعوا بذلك؟ ألا ترى أنه إذا لم يدرك الأزلي والأبدي من ذلك سماه أعمى حين قال: {رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا}؟ [طه: 125]. والحياة حياتان: مكتسبة، وهي الحياة التي تكتسب بالهدى والطاعات، وحياة منشأة؛ وهي حياة الأجساد. فالكافر له حياة الجسد، وليس له حياة مكتسبة. وأما المؤمن فله حياتان جميعا المكتسبة والمنشأة. فسمى كلا بالأسماء التي اكتسبها. فالمؤمن اكتسب أفعالا طيبة، فسماه بذلك، والكافر اكتسب أفعالا قبيحة، فسماه بذلك...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إنما يستجيب إلى الإيمان بالله وما أنزل إليك من يسمع كلامك ويصغي إليك، وإلى ما تقرأ عليه من القرآن وما تبين له من الحجج والآيات ويفكر في ذلك لأنه لا يتبين الحق من الباطل إلا لمن تفكر فيه واستدل عليه بما يستمع أو يعرف من الآيات والأدلة على صحته، وجعل من لم يتفكر ولم ينتفع بالآيات بمنزلة من لم يستمع... وقوله "والموتى يبعثهم الله "معناه أن الذين لا يصغون أليك من هؤلاء الكفار ولا يسمعون كلامك إن كلمتهم، ولا يسمعون ما تقرأه عليهم وتبينه لهم من حجج الله وآياته، وينفرون عنه إذا كلمتهم بمنزلة الموتى، فكما أن الموتى لا يستجيبون لمن يدعوهم إلى الحق والإيمان، فكذلك هؤلاء الكفار لا يستجيبون لك إذا دعوتهم إلى الإيمان، فكما آيست أن يسمع الموتى كلامك إلى أن يبعثهم الله وإلى أن يرجعوا إليه، فكذلك فآيس من هؤلاء أن يسمعوا كلامك وأن يستجيبوا لك. وبين أن الموتى إذا بعثهم الله بمعنى أحياهم أنهم يرجعون بعد الحشر والبعث إلى الموضع الذي لا يملك الحكم فيه عليهم غير الله تعالى، ولا يملك محاسبتهم وضرهم ونفعهم غيره، فجعل رجوعهم إلى ذلك الموضع رجوعا إلى الله وذلك مستعمل في اللغة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الذين يَسْمَعُونَ} يعني: أن الذين تحرص على أن يصدّقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وإنما يستجيب من يسمع، كقوله: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} [النمل: 80] {والموتى يَبْعَثُهُمُ الله} مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} للجزاء، فكان قادراً على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان. وأنت لا تقدر على ذلك.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذا من النمط المتقدم في التسلية، أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يقيمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول، فعبر عن ذلك كله ب {يسمعون} إذ هو طريق العلم بالنبوة والآيات المعجزة، وهذه لفظة تستعملها الصوفية إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغاً شافياً قالوا سمع. ثم قال تعالى: {والموتى} يريد الكفار، فعبر، عنهم بضد ما عبر عن المؤمنين وبالصفة التي تشبه حالهم في العمى عن نور الله تعالى والصمم عن وعي كلماته...
اعلم أنه تعالى بيّن السبب في كونهم بحيث لا يقبلون الإيمان ولا يتركون الكفر فقال: {إنما يستجيب الذين يسمعون} يعني أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون، وإنما يستجيب من يسمع، كقوله {إنك لا تسمع الموتى} قال علي بن عيسى: الفرق بين يستجيب ويجيب، أن يستجيب في قبوله لما دعي إليه، وليس كذلك يجيب لأنه قد يجيب بالمخالفة كقول القائل: أتوافق في هذا المذهب أم تخالف؟ فيقول المجيب: أخالف.
وأما قوله {والموتى يبعثهم الله} ففيه قولان:
والقول الثاني: أن المعنى: وهؤلاء الموتى يعني الكفرة يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، فحينئذ يسمعون، وأما قبل ذلك فلا سبيل إلى استماعهم، وقرئ {يرجعون} بفتح الياء. وأقول: لا شك أن الجسد الخالي عن الروح يظهر منه النتن والصديد والقيح وأنواع العفونات، وأصلح أحواله أن يدفن تحت التراب، وأيضا الروح الخالية عن العقل يكون صاحبها مجنونا يستوجب القيد والحبس والعقل بالنسبة إلى الروح كالروح بالنسبة إلى الجسد، وأيضا العقل بدون معرفة الله تعالى وصفاته وطاعته كالضائع الباطل، فنسبة التوحيد والمعرفة إلى العقل كنسبة العقل إلى الروح، ونسبة الروح إلى الجسد فمعرفة الله ومحبته روح روح الروح، فالنفس الخالية عن هذه المعرفة تكون بصفة الأموات، فلهذا السبب وصف الله تعالى أولئك الكفار المصرين بأنهم الموتى. والله أعلم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أفهم هذا القضاء الحتم أنه قد صار حالهم حال من حتم بالموت، فلا يمكن إسماعه إلا الله، ولا يمكن أن يستجيب عادة، قال: {إنما يستجيب} أي في مجاري عاداتكم {الذين يسمعون} أي فيهم قابلية السمع لأنهم أحياء فيتدبرون حينئذ ما يلقى إليهم فينتفعون به، وهؤلاء قد ساووا الموتى في عدم قابلية السماع للختم على مشاعرهم {والموتى} أي كلهم حساً ومعنى {يبعثهم الله} أي الملك المحيط علماً وقدرة، فهو قادر على بعثهم بإفاضة الإيمان على الكافر وإعادة الروح إلى الهالك فيسمعون حينئذ، فالآية من الاحتباك: حذف من الأول الحياة لدلالة {الموتى} عليها، ومن الثاني السماع لدلالة {يسمعون} عليه. ولما قرر أن من لا يؤمن كالميت، حثاً على الإيمان وترغيباً فيه، وقدر قدرته على البعث، خوَّفَ من سطواته بقوله: {ثم إليه} أي وحده {يرجعون} أي معنى في الدنيا فإنه قادر على كل ما يشاء منهم، لا يخرج شيء من أحوالهم عن مراده أصلاً وحساً بعد الموت، فيساقون قهراً إلى موقف يفصل فيه بين كل مظلوم وظالمه.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
بين لنا تعالى في الآية السابقة أنه لو شاء لجمع الناس على الهدى، ولكنه لم يشأ أن يجعل البشر مفطورين على ذلك، ولا أن يلجئهم إليه إلجاء بالآيات القاسرة، بل اقتضت حكمته ومضت سنته في البشر بأن يكونوا متفاوتين في الاستعداد، عاملين بالاختيار، فمنهم من يختار الهدى على الضلال، ومنهم من يستحب العمى على الهدى، ثم بين لنا في هاتين الآيتين أن الأولين هم الذين ينظرون في الآيات، ويعقلون ما يسمعون من البينات، وأن الآخرين لا يسمعون ولا ينظرون حتى كأنهم من الأموات.
فمعنى صدر الآية: إنما يستجيب لك أيها الرسول – أو لله ولرسوله – الذين يسمعون كلام الله الداعي إليه بآياته سماع فهم وتدبر فيعقلون الآيات ويذعنون لما عرفوا بها من الحق، لسلامة فطرتهم واستقلال عقولهم، دون الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون كالمقلدين الجامدين، ودون الذين قالوا سمعنا وعصينا من المستكبرين الجاحدين، فكل أولئك من موتى القلوب والأرواح، الذين هم أبعد عن الانتفاع من موتى الجسوم والأبدان. {والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون (36)} أي وموتى القلوب الذين لا يسمعون هذا السماع، يخرجهم الله تعالى من قبورهم ويرسلهم إلى موقف الحساب، ثم ترجعهم الملائكة إليه فينالون ما استحقوه من الجزاء. فأصل البعث في اللغة إثارة الشيء وتوجيهه كما قال الراغب: يقال بعثت البعير أي أثرته من مبركه وسيرته إلى المرعى ونحوه. ويرجعون مبني للمفعول من الرجع، ورجع جاء لازما ومتعديا، يقال رجع فلان رجوعا، أي انصرف. ورجعته رجعا، ومنه {قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا} [المؤمنون: 99، 100] وأرجعته لغة هذيل. فالظاهر مما تقدم أن المراد بالموتى هنا الكفار الراسخون في الكفر، المطبوع على قلوبهم، الميؤوس من سماعهم سماع فهم واعتبار، تتبعه الاستجابة لداعي الإيمان. أي والذين لا ترجى استجابتهم لأنهم كالموتى لا يسمعون السماع النافع يترك أمرهم إلى الله فهو يبعثهم بعد موتهم، ثم يرجعون إليه فيجازيهم على كفرهم وأعمالهم، ولا يضرك أيها الرسول كفرهم، وليس في استطاعتك هدايتهم، فالواجب عليك أن تفوض إلى الله أمرهم. وقيل إن لفظ الموتى على حقيقته وإن الكلام تمثيل وتعريض بالإيماء إلى عدم قدرة الرسول على هدايتهم كما أنه لا يقدر على إحياء الموتى. وهو بعيد وفيه ما لا يخفى من التكلف.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} يحتمل أن المعنى، مقابل للمعنى المذكور. أي: إنما يستجيب لك أحياء القلوب، وأما أموات القلوب، الذين لا يشعرون بسعادتهم، ولا يحسون بما ينجيهم، فإنهم لا يستجيبون لك، ولا ينقادون، وموعدهم القيامة، يبعثهم الله ثم إليه يرجعون، ويحتمل أن المراد بالآية، على ظاهرها، وأن الله تعالى يقرر المعاد، وأنه سيبعث الأموات يوم القيامة ثم ينبئهم بما كانوا يعملون.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(إنما يستجيب الذين يسمعون. والموتى يبعثهم الله. ثم إليه يرجعون).. إن الناس يواجهون هذا الحق الذي جاءهم به الرسول من عند الله وهم فريقان: فريق حي، أجهزة الاستقبال الفطرية فيه حية، عاملة، مفتوحة.. وهؤلاء يستجيبون للهدى. فهو من القوة والوضوح والاصطلاح مع الفطرة والتلاقي معها إلى الحد الذي يكفي أن تسمعه، فتستجيب له: (إنما يستجيب الذين يسمعون).. وفريق ميت، معطل الفطرة، لا يسمع ولا يستقبل، ومن ثم لا يتأثر ولا يستجيب.. ليس الذي ينقصه أن هذا الحق لا يحمل دليله -فدليله كامن فيه، ومتى بلغ إلى الفطرة وجدت فيها مصداقه، فاستجابت إليه حتما- إنما الذي ينقص هذا الفريق من الناس هو حياة الفطرة، وقيام أجهزة الاستقبال فيها بمجرد التلقي! وهؤلاء لا حيلة فيهم للرسول، ولا مجال معهم للبرهان. إنما يتعلق أمرهم بمشيئة الله. إن شاء بعثهم إن علم منهم ما يستحق أن يحييهم، وإن شاء لم يبعثهم في هذه الحياة الدنيا، وبقوا أمواتا بالحياة حتى يرجعوا إليه في الآخرة. (والموتى يبعثهم الله. ثم إليه يرجعون).. هذه هي قصة الاستجابة وعدم الاستجابة! تكشف حقيقة الموقف كله، وتحدد واجب الرسول وعمله، وتترك الأمر كله لصاحب الأمر يقضي فيه بما يريد.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تعليل لما أفاده قوله: {وإنْ كان كَبُر عليك إعراضهم إلى قوله فلا تكوننّ من الجاهلين} [الأنعام: 35] من تأييس من ولوج الدعوة إلى أنفسهم، أي لا يستجيب الذين يسمعون دون هؤلاء الذين حرمهم فائدة السمع وفهم المسموع.
ومفهوم الحصر مؤذن بإعمال منطوقه الذي يؤمىء إلى إرجاء بعد تأييس بأنّ الله جعل لقوم آخرين قلوباً يفقهون بها وآذاناً يسمعون بها فأولئك يستجيبون.
وقوله: {يستجيب} بمعنى يجيب، فالسين والتاء زائدان للتأكيد؛ وقد تقدّم الكلام على هذا الفعل عند قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربّهم} في سورة [آل عمران: 195]. وحذف متعلّق {يستجيب} لظهوره من المقام لأنّ المقام مقام الدعوة إلى التوحيد وتصديق الرسول.
ومعنى {يسمعون}، أنّهم يفقهون ما يلقى إليهم من الإرشاد لأنّ الضالّين كمن لا يسمع. فالمقصود سمع خاصّ وهو سمع الاعتبار.
أمّا قوله: {والموتى يبعثهم الله} فالوجه أنّه مقابل لِ {الذين يسمعون}. ولذلك حسن عطف هذه الجملة على جملة: {إنما يستجيب الذين يسمعون}. فمعنى الكلام: وأمّا المعرضون عنك فهم مثل الموتى فلا يستجيبون، كقوله: {إنّك لا تسمع الموتى} [النمل: 80]. فحذف من الكلام ما دلّ عليه السياق، فإنّ الذي لا يسمع قد يكون فقدان سمعه من علّة كالصمم، وقد يكون من عدم الحياة، كما قال عبد الرحمان بن الحكم الثقفي:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّاً *** ولكن لا حياة لمنْ تنادي
فتضمّن عطف {والموتى يبعثهم الله} تعريضاً بأنّ هؤلاء كالأموات لا ترجى منهم استجابة. وتخلّص إلى وعيدهم بأنّه يبعثهم بعد موتهم، أي لا يرجى منهم رجوع إلى الحقّ إلى أن يبعثوا، وحينئذٍ يلاقون جزاء كفرهم. {والموتى} استعارة لمن لا ينتفعون بعقولهم ومواهبهم في أهمّ الأشياء، وهو ما يُرضي الله تعالى. و {يبعثهم} على هذا حقيقة، وهو ترشيح للاستعارة، لأنّ البعث من ملائمات المشبّه به في العرف وإن كان الحي يخبر عنه بأنه يبعث، أي بعد موته، ولكن العرف لا يذكر البعث إلاّ باعتبار وصف المبعوث بأنّه ميّت.
ويجوز أن يكون البعث استعارة أيضاً للهداية بعد الضلال تبعاً لاستعارة الموت لعدم قبول الهدى على الوجهين المعروفين في الترشيح في فن البيان من كونه تارة يبقى على حقيقته لا يقصد منه إلاّ تقوية الاستعارة، وتارة يستعار من ملائم المشبّه به إلى شبهه من ملائم المشبّه، كقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً} [آل عمران: 103]. فيكون على هذا الوجه في الكلام وعد للرسول صلى الله عليه وسلم بأنّ بعض هؤلاء الضالّين المكذّبين سيهديهم الله تعالى إلى الإسلام، وهم من لم يسبق في علمه حرمانهم من الإيمان.
فعلى الوجه الأول يكون قوله {ثم إليه يُرْجعون} زيادة في التهديد والوعيد. وعلى الوجه الثاني يكون تحريضاً لهم على الإيمان ليلقوا جزاءه حين يُرجعون إلى الله. ويجوز أن يكون الوقف عند قوله تعالى: {يبعثهم الله}. وتمّ التمثيل هنالك. ويكون قوله: {ثم إليه يرجعون} استطراداً تُخلّص به إلى قرع أسماعهم بإثبات الحشر الذي يقع بعد البعث الحقيقي، فيكون البعث في قوله: {يبعثهم الله} مستعملاً في حقيقته ومجازه. وقريب منه في التخلّص قوله تعالى: {فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى} في سورة [البقرة: 73].
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الكلام في شان المشركين وعرض الآيات عليهم، وطلبهم آيات أخرى وهم معرضون عن كل الآيات بقلوبهم لأنها في أكنة ولا يسمعون الحق لأن آذانهم فيها وقر لانصرافها وقد أكد سبحانه وتعالى ذلك وذكر وجوب اليأس من المشركين الذين يعرضون عن آيات الله مدعين أن ما سبق لهم لا يكفي لإقناعهم فقال تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ). الاستجابة هنا هي الإجابة بعد التفكر والإمعان وتقدير الأمر، فهي إجابة محكمة دقيقة وهذا ما تدل عليه (السين) فهي إجابة بعد استقراء الدليل على وجوبها وقد حصر سبحانه وتعالى الاستجابة بأنها لا تكون إلا للذين يسمعون ولا يعرضون وينفذون الى لباب ما يستمعون إليه، ولا ينأون عنه وفي الكلام تشبيه الذين يعرضون عن الدين ولا يستمعون سماع وعي وإدراك وتفهم بحال الصم الذين لا يسمعون لأن السمع لا قيمة له إذا لم يصل بصاحبه إلى التفهم والهداية. وقد قال تعالى من بعد (والموتى يبعثهم الله) وقيل: إن الموتى هم موتى الأحياء الذين لا يدركون الحق، ومعنى بعثهم إيمانهم وهدايتهم أي أن الله تعالى قادر على هداية موتى التفكير الذين لا يستجيبون وقيل المراد بالموتى الكفرة الأموات ومعنى البعث ليس الإيمان إنما المراد أنه سبحانه وتعالى سيبعثهم ثم يحاسبهم على كفرهم، والرأي عندي أن تكون كلمة الموتى على حقيقتها والبعث على حقيقته ويكون نسق النص الكريم هكذا إنما يستجيب للحق ويذعن له الذين لا يعرضون عن الآيات ثم بين بعد ذلك حال الذين لا يجيبون بإثبات قدرة الله بأن الله تعالى سيبعثهم مع الموتى ثم يكون الحساب والعقاب ويرون ما لم يؤمنوا به، ويستمعون إلى ما أعرضوا عنه وكفروا ولذا قال سبحانه من بعد ذلك (ثم إليه ترجعون) أي ثم إليه وحده يعودون راجعين ليجازيهم المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ولا يستوي المحسن والمسيء.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
السبيل إلى تلقي الدعوة والاستجابة لها هو تفتح العقل لإدراك ما يعرض عليه واستيعابه، وتفتح الحواس للإحساس بما تتلقاه من المحسوسات والمشاهدات واستيعابها، فإذا تعطلت ملكة العقل في أي إنسان عن وظيفتها الأساسية، وإذا تعطلت الحواس الظاهرة والباطنة عن نشاطها العادي، لم يبق لدى الإنسان أية وسيلة أخرى للإدراك ولا للإحساس، وبالتالي يتعذر عليه أن يتلقى الدعوة ويتفهمها، فضلا على أن يستجيب لها ويتجاوب معها، فقد تعطل فكره وتعطلت حواسه، وهو بمنزلة من مات موتا حقيقيا، وإن كان لا يزال معدودا بين الأحياء حياة ظاهرة. وإذن فأمام الدعوة الإسلامية صنفان من الناس، أحياء لا يزالون يتمتعون بملكاتهم وحواسهم، وعندهم استعداد للفهم والتفاهم، وهؤلاء معقد الأمل والرجاء في نصر الدعوة الإسلامية، {لينذر من كان حيا} وهناك أموات أحاطت بهم الضلالات والأوهام من كل جانب، فدمرت فيهم جميع الملكات، وعطلت في أنفسهم جميع الطاقات، وضربت من حولهم حصارا تاما لا يبقى معه أي منفذ تصل إليهم عن طريقه هذه الدعوة، ولا أية نافذة يطلون منها على حقيقة الكون والمكون، وهؤلاء وإن كانوا لا يزالون في الدنيا فهم موتى موتا معنويا وروحيا، وسيظلون على موتهم المعنوي هذا إلى أن تتم موتتهم الجسمية الأولى، ولن يبعثوا من موتهم المعنوي ثم موتهم الجسمي إلا يوم يحل موعد البعث والنشر والحشر يوم القيامة...
يقول الحق: {إنما يستجيب الذين يسمعون} أي أن الذين يستجيبون لنداء الحق هم الذين يسمعون بآذانهم وقلوبهم مصدقة؛ لأن هناك فارقا بين سماع ظاهره سماع وباطنه انصراف، وبين سماع ظاهره طاعة وباطنه محبة لهذه الطاعة. نعلم أن استقبال المسموع شيء، وانفعال الإنسان بالمسموع شيء آخر. وعندما يتحد حسن الاستماع مع انفعال الحب لتنفيذ ما سمعه الإنسان فهذا ما يطلبه الإيمان. والمؤمنون هم الذين يستمعون لكلمات الله بانفعال الحب، وهم يختلفون عن هؤلاء الذين يسمعون الكلام من أذن ويخرجونه من أذن الأخرى، ويتركون الكلمات بلا تطبيق، ولا يبقى في النفس الواعية من آثار الكلام شيء...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} من موقع الوعي للفكرة، فهم الذي يعرفون مداها في الحياة، وهم الذين يعون عمقها في الزمن، وامتدادها في النفس والعقل والضمير، وهؤلاء هم الأحياء الذين تتفجر الحياة فيهم فكراً وشعوراً وحركة. {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} وهم الذين لا يعيشون مسؤولية السمع والبصر والإحساس، فلا يستفيدون منها في ما يعرفون أو ينكرون.. {ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ليواجهوا نتائج المسؤولية من خلال الحجة التي أقامها الله عليهم في أنفسهم وفي الكون وفي وحي الرسالات. ونستوحي من ذلك كله أن على العاملين في سبيل الدعوة إلى الله أن لا ينطلقوا من حالةٍ ذاتية في مشاعرهم السلبية أمام التحديات الموجهة إليهم بالتكذيب لدعوتهم ليشعروا بالحزن والإحباط والسقوط النفسي، بل إن عليهم التفكير الدائم بأنهم يتحركون من خلال دين الله الذي يريدون للناس أن يرتبطوا به ليتقربوا إلى الله بذلك انطلاقاً من الروح الرسالية التي تدفعهم إلى ذلك، ولذا فإن عليهم أن يتابعوا الطريق في مواصلة التجربة من دون انفعال ذاتي، لأنّ التحدي ليس موجهاً إليهم بل إلى الله الذي يعلم كل شيء ويسيطر على كل شيء فلا يضرونه شيئاً، إن يضرون إلا أنفسهم ولا يشعرون.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
في الآية التي تليها استكمال لما سبق ومزيد من المواساة للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتقول الآية (إِنّما يستجيب الذين يسمعون). أمّا الذين هم في الواقع أشبه بالأموات فأنّهم لا يؤمنون حتى يبعثهم الله يوم القيامة: (والموتى يبعثهم الله ثمّ إِليه يرجعون). يومئذ، وبعد أن يروا مشاهد يوم القيامة يؤمنون، إِلاّ أنّ إيمانهم ذاك لا ينفعهم شيئاً، لأنّ رؤية مناظر يوم القيامة العظيمة تحمّل كل مشاهد على الإِيمان فيكون نوعاً من الإِيمان الاضطراري. ومن نافلة القول أنّ «الموتى» في هذه الآية لا تشير إِلى الموت الجسماني في الأفراد، بل الموت المعنوي، فالحياة والموت نوعان: حياة وموت عضويان، وحياة وموت معنويان، كذلك أيضاً السمع والبصر، عضويان ومعنويان فكثير ما نصف المبصرين السامعين الأحياء الذين لا يدركون الحقائق بأنّهم عمي أو صم أو حتى أموات، إِذ إِنّ رد الفعل الذي يصدر عادة من الإِنسان الحي البصير السامع إزاء الحقائق لا يصدر من هؤلاء. أمثال هذه التعبيرات كثيرة في القرآن، ولها عذوبة، وجاذبية خاصّة، بل إِنّ القرآن لا يعير أهمية كبيرة للحياة المادية التي تتمثل في «الأكل والنوم والتنفس» وإِنّما يعني أشد العناية بالحياة الإِنسانية المعنوية التي تتمثل في تحمل التكاليف والمسؤولية والإِحساس واليقظة والوعي. لابدّ من القول أيضاً: إِنّ المعنوي من العمى والصمم والموت ينشأ من ذات الأفراد، لأنّهم لاستمرارهم في الإِثم وإِصرارهم عليه وعنادهم يصلون إِلى تلك الحالة. إِنّ من يغمض عينيه طويلا يصل إِلى حالة يفقد فيها تدريجياً قوة البصر، وقد يبلغ به الأمر إِلى العمى التام، كذلك الذي يغمض عين روحه عن رؤية الحقائق طويلا يفقد بصيرته المعنوية شيئاً فشيئاً.