تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞إِنَّمَا يَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسۡمَعُونَۘ وَٱلۡمَوۡتَىٰ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ} (36)

الآية 36 وقوله تعالى : { إنما يستجيب الذين يسمعون } معناه : والله أعلم إنما يستجيب الذين ينتفعون بما يسمعون ، وإلا كانوا يسمعون جميعا . لكن الوجه فيه ما ذكرنا : أنه إنما يجيب الذين ينتفعون بما يسمعون ، وهو كقوله تعالى : { إنما تنذر من اتبع الذكر } [ يس : 11 ] كان النبي صلى الله عليه وسلم /147-ب/ ينذر من اتبع الذكر ومن لم يتبع . لكن انتفع بالإنذار من اتبع الذكر ، ولم ينتفع من لم يتبع ، وهو ما ذكر عز وجل { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } [ الذاريات : 55 ] أخبر أن { الذكرى تنفع المؤمنين } لا تنفع غيرهم{[7049]} .

وقوله تعالى : { والموتى يبعثهم الله } اختلف فيه : قال بعضهم : { والموتى يبعثهم الله } على الابتداء { ثم إليه يرجعون } . وقال قائلون : أراد بالموتى الكفار ؛ سمى الكافر ميتا والمؤمن حيا في غير موضع من القرآن كقوله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات } [ الأنعام : 122 ] فهو ، والله أعلم أن جعل لكل بشر سمعين وبصرين وحياتين [ سمعا أبديا ]{[7050]} في الآخرة ، [ وبصرا أبديا ]{[7051]} في الآخرة . وكذلك جعل لكل أحد حياتين : حياة الآخرة وحياة منقضية{[7052]} ، وهي حياة الدنيا ، وكذلك [ جعل لكل أحد سمعا أبديا ]{[7053]} وهو سمع الآخرة ، [ وسمعا ذا ]{[7054]} مدة ، لها انقضاء ، وهو سمع الدنيا . ثم نفى السمع والبصر والحياة عمن لم يدرك بهذا السمع والبصر والحياة التي جعل له في الدنيا ، ولم يبصر سمع الأبدية لأنه إنما جعل لهم هذا في الدنيا ليدركوا بهذا ذاك .

وكذلك العقول التي ركبت في البشر ، إنما ركبت ليدركوا بها ، ويبصروا ذلك الأبدي ، وإلا كان{[7055]} تركيب هذه العقول في البشر لهذه الدنيا خاصة لا لعواقب تتأمل للجزاء والعقاب . فالبهائم قد تدرك بالطبع ذلك القدر ، وتعرف ما يؤتى ويتقى{[7056]} ، وما يصلح لها . فدل أن تركيب العقول في من ركب إنما ركب لا لما يدرك هذا ، إذ يدرك ذلك المقدار بالطبع من لم يركب فيه ، وهي{[7057]} البهائم التي ذكرنا .

والسمع والبصر والحياة قد [ جعلها الله ]{[7058]} في الدنيا لمعاشهم ومعادهم ، وكذلك جعل لهم اللسان لينطق بحوائجهم في الدنيا ، يعرف بعضهم من بعض المحاجة{[7059]} في الدنيا ، ويدرك به الأزلي ، فإذا لم ينتفعوا بذلك أزال عنهم ذلك ، وسماهم العمي والصم والبكم . ألا ترى أنه قال " { صم بكم عمي } [ البقرة : 18 و 171 ] لما لم ينتفعوا بذلك ؟ ألا ترى أنه إذا لم يدرك الأزلي والأبدي من ذلك سماه أعمى حين{[7060]} قال : { رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا } ؟ [ طه : 125 ] .

والحياة حياتان : مكتسبة ، وهي الحياة التي تكتسب بالهدى والطاعات ، وحياة منشأة ؛ وهي حياة الأجساد . فالكافر له حياة الجسد ، وليس له حياة مكتسبة . وأما المؤمن فله حياتان جميعا المكتسبة والمنشأة . فسمى كلا بالأسماء{[7061]} التي اكتسبها . فالمؤمن اكتسب أفعالا طيبة ، فسماه بذلك ، والكافر اكتسب أفعالا قبيحة ، فسماه بذلك .


[7049]:- من م، في الأصل: فيهما.
[7050]:- في الأصل وم: سمع أبدي.
[7051]:- في الأصل وم: وبصر أبدي.
[7052]:- في الأصل وم: منقبضة.
[7053]:- في الأصل وم: سمع أبدي.
[7054]:- في الأصل وم: وسمع ذو.
[7055]:- في الأصل وم: كانت.
[7056]:- في الأصل وم: وتبقى.
[7057]:- في الأصل وم: وهو.
[7058]:- في الأصل وم: جعل.
[7059]:- في الأصل وم: حاجة.
[7060]:- في الأصل و م: حيث.
[7061]:- في الأصل وم: بأسماء.