{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وهذا فيه التعجيب{[95]} من كثرة معاهداتهم ، وعدم صبرهم على الوفاء بها .
ف " كُلَّمَا " تفيد التكرار ، فكلما وجد العهد ترتب عليه النقض ، ما السبب في ذلك ؟ السبب أن أكثرهم لا يؤمنون ، فعدم إيمانهم هو الذي أوجب لهم نقض العهود ، ولو صدق إيمانهم ، لكانوا مثل من قال الله فيهم : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }
والهمزة في قوله { أَوَ كُلَّمَا } للإِنكار ، والواو للعطف على محذوف يقتضيه المقام : أي أكفروا بالآيات البينات ، وكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم ، أي : طرحوه ونقضوه من النبذ وهو إلقاء الشئ وطرحه لقلة الاعتداد به ومنه سمي النبيذ وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء وهو حقيقة في الأجرام وإسناده إلى العهد مجاز .
والضمير في قوله : { مِّنْهُم } يعود لليهود الذين اشتهروا بنقض العهود وقوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يفيد الترقي إلى الأغلظ فالأغلظ ، أي أن فريقاً منهم عرف بنقضه للعهد ، وأكثرهم عرف بكفره وجحده للحق .
قال صاحب الكشاف ، واليهود موسومون بالغدر ونقض العهود ، وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم فنقضوا ، وكم عاهدوا رسول الله فلم يفوا { الذين عَاهَدْتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } وقال الرازي : " والمقصود من هذا الاستفهام الإِنكار وإعظام ما يقدمون عليه لأن مثل ذلك إذا قيل بهذا اللفظ كان أبلغ في التوبيخ والتبكيت . ودل بقوله : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ } على عهد بعد عهد نبذوه ونقضوه ، بل يد على أن ذلك كالعادة منهم ، فكأنه - تعالى - أراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عند كفرم بما أنزل عليه من الآيات ، بأن بين له أن ذلك ليس ببدع منهم ، بل هو سجيتهم وعادتهم وعادة سلفهم . . . "
وقال مالك بن الصيف - حين بُعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وذكرهم{[2286]} ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد إليهم في محمد صلى الله عليه وسلم{[2287]} والله ما عَهِد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم ولا أخذ [ له ]{[2288]} علينا ميثاقًا .
فأنزل الله : { أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ }
وقال الحسن البصري في قوله : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } قال : نَعَم ، ليس في الأرض عَهْدٌ يعاهدون عليه إلا نقضوه ونبذوه ، يعاهدون اليوم ، وينقضون غدًا .
وقال السدي : لا يؤمنون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : { نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ } أي : نقضه فريق منهم .
وقال ابن جرير : أصل النبذ : الطرح والإلقاء ، ومنه سمي اللقيط : منبوذًا ، ومنه سمي النبيذ ، وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء . قال أبو الأسود الدؤلي :
نظرتُ إلى عنوانه فنبذْتُه *** كنبذك نَعْلا أخْلقَتْ من نعَالكا{[2289]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.