20- وخلقنا لكم شجرة الزيتون التي تنبت في منطقة طور سيناء ، وفي ثمارها زيت تنتفعون به ، وهو إدام للآكلين{[142]} .
{ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } وهي شجرة الزيتون ، أي : جنسها ، خصت بالذكر ، لأن مكانها خاص في أرض الشام ، ولمنافعها ، التي ذكر بعضها في قوله : { تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ } أي : فيها الزيت ، الذي هو دهن ، يستعمل{[549]} استعماله من الاستصباح به ، واصطباغ الآكلين ، أي : يجعل إداما للآكلين ، وغير ذلك من المنافع .
والمراد بالشجرة فى قوله - تعالى - بعد ذلك : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ . . } ، شجرة الزيتون . وهى معطوفة على " جنات " من عطف الخاص على العام .
أى : فأنشأنا لكم بسبب هذا لاماء النازل من السماء ، جنات ، وأنشأنا لكم بسببه - أيضاً - شجرة مباركة تخرج من هذا الوادى المقدس الذى كلم الله - تعالى - عليه موسى - عليه السلام - وهو المعروف بطور سيناء . أى : بالجبل المسمى بهذا الاسم فى منطقة سيناء ، ومكانها معروف .
قالوا : وكلمة سيناء - بفتح السين والمد على الراجح - معناها : الحسن باللغة النبطية . أو معناها : الجبل الملىء بالأشجار . وقيل : مأخوذة من السنا بمعنى الارتفاع .
وخصت شجرة الزيتون بالذكر : لأنها من أكثر الأشجار فائدة بزيتها وطعامها وخشبها ، ومن أقل الأشجار - أيضاً - تكلفة لزارعها .
وخص طور سيناء بإنباتها فيه ، مع أنها تنبت منه ومن غيره ، لأنها أكثر ما تكون انتشاراً فى تلك الأماكن ، أو لأن منبتها الأصلى كان فى هذا المكان ، ثم انتقلت منه إلى غيره من الأماكن .
وقوله : { تَنبُتُ بالدهن وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } بيان لمنافع هذه الشجرة على سبيل المدح ، والتعليل لإفرادها بالذكر .
والدهن : عصارة كل شىء ذى دسم . والمراد به هنا : زيت الزيتون .
وقراءة الجمهور : { تَنبُتُ } - بفتح التاء وضم الباء - على أنه مضارع نبت الثلاثى .
فيكون المعنى : هذه الشجرة من مزاياها أنها تنبت مصحوبة وملتبسة بالدهن الذى يستخرج من زيتونها . فالباء فى قوله { بالدهن } للمصاحبة والملابسة ، كما تقول : خرج فلان بسلاحه ، أى : مصاحباً له .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : تُنْبِت - بضم التاء وكسر الباء - من أنبت بمعنى نبت . أو : من أنبت التعدى بالهمزة ، كأنبت الله الزرع ، والتقدير : تنبت ثمارها مصحوبة بالدهن .
والصبغ فى الأصل : يطلق على الشىء الذى يصبغ به الثوب .
والمراد به هنا : الإدام لأنه يصبغ الخبز ، ويجعله كأنه مصبوغ به .
أى : أن من فوائد هذه الشجرة المباركة أنها يتخذ منها الزيت الذى ينتفع به ، والإدام الذى يحلو معه أكل الخبز والطعام .
روى الإمام أحمد عن مالك بن ربيعة الساعدى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة " .
ويخصص من الأنواع الأخرى شجرة الزيتون :
وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين . .
وهي من أكثر الشجر فائدة بزيتها وطعامها وخشبها . وأقرب منابتها من بلاد العرب طور سيناء . عند الوادي المقدس المذكور في القرآن . لهذا ذكر هذا المنبت على وجه خاص . وهي تنبت هناك من الماء الذي أسكن في الأرض وعليه تعيش .
{ وشجرة } عطف على { جنات } وقرئت بالرفع على الابتداء أي : ومما أنشأنا لكم به شجرة . { تخرج من طور سيناء } جبل موسى عليه الصلاة والسلام بين مصر وأيلة ، وقيل بفلسطين وقد يقال له طور سينين ولا يخلو من أن يكون الطور للجبل وسيناء اسم بقعة أضيف إليها ، أو المركب منهما علم له كامرئ القيس ومنع صرفه للتعريف والعجمة أو التأنيث على تأويل البقعة لا للألف لأنه فيعال كديماس من السناء بالمد وهو الرفعة ، أو بالقصر وهو النور أو ملحق بفعلال كعلباء من السين إذ لا فعلاء بألف التأنيث بخلاف { سيناء } على قراءة الكوفيين والشامي ويعقوب فإنه فيعال ككيسان أو فعلاء كصحراء لا فعلال إذ ليس في كلامهم ، وقرئ بالكسر والقصر . { تنبت بالدهن } أي تنبت ملتبسا بالدهن ومستصحبا له ، ويجوز أن تكون الباء صلة معدية ل{ تنبت } كما في قولك : ذهبت بيزيد ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في رواية { تنبت } وهو إما من أنبت بمعنى نبت كقول زهير :
رأيت ذوي الحاجات عند بيوتهم *** فطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
أو على تقدير { تنبت } زيتونها ملتبسا بالدهن ، وقرىء على البناء للمفعول هو كالأول وتثمر بالدهن وتخرج الدهن وتنبت بالدهان . { وصبغ للآكلين } معطوف على الدهن جار على إعرابه عطف أحد وصفي الشيء على الآخر أي : تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنيا يدهن به ويسرج منه وكونه إداما يصبغ فيه الخبز أي : يغمس فيه للائتدام ، وقرىء " وصباغ " كدباغ في دبغ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.