فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ} (20)

{ وَشَجَرَةً } قال الواحدي : والمفسرون كلهم يقولون : إن المراد بهذه الشجرة شجرة الزيتون ، وخصت بالذكر لأنها لا يتعاهدها أحد بالسقي ، وهي التي يخرج الدهن منها ، وهي أول شجرة نبتت بعد الطوفان ، تعمر في الأرض كثيرا حتى قال بعضهم إنها تعمر ثلاثة آلاف سنة على ما ذكره الخازن ، فذكرها الله سبحانه امتنانا منه على عباده بها ، ولأنها أكرم الشجر وأعمها نفعا وأكثرها بركة { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } خصت به مع أنها تخرج من غيره أيضا لأن أصلها منه ثم نقلت إلى غيره ، ذكره زكريا ، وهو جبل ببيت المقدس ، والطور الجبل في كلام العرب ، وقيل هو مما عرب من كلام العجم .

واختلف في معنى سيناء ، فقيل هو الحسن باللغة النبطية ، وقيل بالحبشية ، وقيل بالسريانية ، ومعناه الجبل الملتف بالأشجار ، وقيل كل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سيناء وسينين .

وقيل هو من السنا وهو الارتفاع ، وقيل هو المبارك . وذهب الجمهور إلى أنه اسم للجبل ، كما تقول جبل أحد ، وقيل هو جبل فلسطين ، وقيل هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل . وقيل سيناء اسم حجر بعينه ، أضيف الجبل إليه لوجوده عنده . وقيل هو كل جبل يحمل الثمار . وقرئ سيناء بفتح السين وبكسرها ولم يصرف لأنه جعل اسما للبقعة ، وزعم الأخفش أنه أعجمي .

قال ابن عباس : هو الجبل الذي نودي منه موسى .

{ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ } قال ابن عباس : هو الزيت يؤكل منه ويدهن به ، وقرئ بفتح التاء وضم الباء ، وبضم التاء وكسر الباء من الثلاثي والرباعي ، والمعنى على الأول أنها تنبت في نفسها متلبسة بالدهن ، وعلى الثانية الباء بمعنى مع فهي للمصاحبة قال أبو علي الفارسي : التقدير تنبت جناها ، ومعه الدهن . وقيل الباء زائدة قاله أبو عبيدة .

وقال الفراء والزجاج : إن نبت وأنبت بمعنى ، والأصمعي ينكر أنبت ، وقرئ تنبت بضم التاء وفتح الباء . قال الزجاج ؛ وابن جنّي : أي تنبت ومعها الدهن . وقرأ ابن مسعود : تخرج بالدهن ، وقرئ تنبت الدهن بحذف حرف الجر وقرئ بالدهان ، والدهن عصارة كل شيء ذي دسم ، قاله السمين .

{ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ } أي تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهنا يدهن به وكونه صبغا يؤتدم به ، وقرئ صباغ مثل لبس ولباس ، وكل إدام يؤتدم به فهو صبغ وصباغ ، وأصل الصبغ ما يلون به الثوب ، وشبه الإدام به لأن الخبز يكون بالإدام كالمصبوغ به ، جعل الله سبحانه في هذه الشجرة المباركة أدما وهو الزيتون ودهنا وهو الزيت .