النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِ سَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ} (20)

قوله تعالى : { وَشَجَرةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْناءَ } هي شجر الزيتون وخصت بالذكر لكثرة منفعتها وقلة تعاهدها .

وفي طور سيناء خمسة تأويلات :

أحدها : أن سيناء البركة فكأنه قال جبل البركة ، قاله ابن عباس ومجاهد .

الثاني : أنه الحسن المنظر ، قاله قتادة .

الثالث : أنه الكثير الشجر ، قاله ابن عيسى .

الرابع : أنه اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، قاله أبو عبيدة .

الخامس : أنه المرتفع مأخوذ من النساء ، وهو الارتفاع فعلى هذا التأويل يكون اسماً عربياً . وعلى ما تقدم من التأويلات يكون اسماً أعجمياً واختلف القائلون بأعجميته على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه سرياني ، قاله ابن عباس .

الثاني : نبطي .

الثالث : حبشي .

{ تَنْبُتْ بِالدُّهْنِ } اختلف في الدهن هنا على قولين :

أحدهما : أن الدهن هنا المطر اللين ، قاله محمد بن درستويه ، ويكون دخول الباء تصحيحاً للكلام .

الثاني : أنه الدهن المعروف أي بثمر الدهن .

وعلى هذا اختلفوا في دخول الباء على وجهين :

أحدهما : أنها زائدة وأنها تنبت الدهن ، قاله أبو عبيدة وأنشد :

نضرب بالسيف ونرجو بالفرج{[2040]} ***

فكانت الباء في بالفرج زائدة كذلك في الدهن وهي قراءة ابن مسعود .

الثاني : أن الباء أصل وليست بزائدة وقد قرئ تنبت بالدهن بفتح التاء الأولى إذا كانت التاء أصلاً ثابتاً . فإن كانت القراءة بضم التاء الأولى فمعناه تنبت وينبت بها الدهن ومعناهما إذا حقق متقارب وإن كان بينهما أدنى فرق . وقال الزجاج : معناه ينبت فيها الدهن ، وهذه عبرة : أن تشرب الماء وتخرج الدهن .

{ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ } أي إدام يصطبغ به الآكلون ، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الزَّيتُ مِنْ شَجَرةٍ مُبَارَكَةٍ فَائْتَدِمُوا بِهِ وَادَّهِنُوا{[2041]} " وقيل إن الصبغ ما يؤتدم به سوى اللحم .


[2040]:هذا البيت من شواهد مغنى اللبيب وصدره: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج
[2041]:رواه الترمذي وفي سنده اضطراب