قوله : { وَشَجَرَةً } : عطفٌ على " جناتٍ " . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو " سِيناء " بكسر السين . والباقون بفتحها . والأعمش كذلك إلاَّ أنه قَصَرها . فأمَّا القراءةُ الأولى فالهمزةُ فيها ليسَتْ للتأنيثِ ؛ إذ ليس في الكلام فِعْلاء بكسر الأول ، وهمزتُه للتأنيث ، بل للإِلحاقِ ك " سِرْداح " و " قِرْطاس " فهي كِعلْباء فتكونُ الهمزةُ منقلبةً عن ياءٍ أو واوٍ ؛ لأن الإِلحاقَ يكون بهما ، فلمَّا وقع حرفُ العلةِ متطرفاً بعد ألفٍ زائدة قُلِبَتْ همزةً كرِداء وكِساء ، قال الفارسي : " وهي الياءُ التي ظهرَتْ في " دِرْحايَة " . والدِّرْحاية : الرجلُ القصيرُ السمينُ .
وجعل أبو البقاءِ هذه الهمزةَ أصليةً فقال : " والهمزةُ على هذا أصلٌ مثل " حِمْلاق " وليسَتْ للتأنيثِ إذ ليس في الكلام مثلُ [ حِمْراء والياءُ أصلٌ إذ ليس في الكلام " سنأ " ] يعني : مادة سين ونون وهمزة . وهذا مخالِفٌ لِما تَقَدَّمَ مِنْ كونِها بدلاً من زائدٍ ملحقٍ بالأصل . على أن كلامَه محتملٌ للتأويلِ إلى ما تقدَّم ، وعلى هذا فَمَنْعُ الصرفِ للتعريف والتأنيث ؛ لأنها اسمُ بُقعةٍ بعينها ، وقيل : للتعريف والعُجْمة ، قال بعضهم : والصحيحُ أن " سِيْناء " اسمٌ أعجمي نَطَقَتْ به العربُ فاختلفَتْ فيه لغاتُها فقالوا : سَيْناء كحَمْراء وصَفْراء ، وسِيناء كعِلباء وحِرْباء وسِيْنين كخِنْذِيْذ وزِحليل ، والخِنْذِيْذ : الفحلُ والخَصِيُّ أيضاً ، فهو مِن الأضداد ، وهو أيضاً رأسُ الجبلِ المرتفعُ ، والزِّحْلِيلُ : المُتَنَحِّي مِنْ زَحَل إذا تَنحَّى .
وقال الزمخشري : " طُوْرُ سيناء وطور سينين : لا يخلوا : إمَّا أن يُضافَ فيه الطورُ إلى بقعةٍ اسمُها سيناء ، وسينون ، وإمَّا أَنْ يكونَ اسماً للجبلِ مركباً مِنْ مضافٍ ومضافٍ إليه كامرىء القيس وبعلبك ، فيمَنْ أضاف . فَمَنْ كَسَرَ سينَ " سيناء " فقد مَنَعَ الصرفَ للتعريفِ والعجمةِ ، أو التأنيثِ ، لأنها بقعة وفِعْلاء لا تكون ألفه للتأنيث كعِلْباء وحِرْباء . قلت : وكونُ ألفِ فِعْلاء بالكسر ليست للتأنيث هو قولُ أهل البصرة ، وأمَّا الكوفيون فعندهم أن ألفها تكون للتأنيثِ ، فهي عندهم ممنوعةٌ للتأنيثِ اللازم كحمراء وبابها . وكسرُ السين من " سِيْناء " لغةُ كِنانة .
وأمَّا القراءة الثانية فألِفُها للتأنيث ، فَمَنْع الصرف واضحٌ . قال أبو البقاء : " وهمزتُه للتأنيث إذ ليس في الكلامِ فَعْلال بالفتح . وما حكى الفراء مِنْ قولهم : ناقةٌ فيها خَزْعال " لا يَثْبُتُ ، وإنْ ثبت فهو شاذٌّ لا يُحمل عليه " .
وقد وَهِم بعضُهم فجعل " سيناء " مشتقةً من السَّنا وهو الضوءُ ، ولا يَصِحُّ ذلك لوجهين أحدُهما : أنه ليس عربيَّ الوَضْعِ . نَصُّوا على ذلك كما/ تقدم ، الثاني : أنَّا وإنْ سلَّمنا أنه عربيُّ الوَضْعِ ، لكنْ المادتان مختلفتان ، فإنَّ عَيْنَ " السنا " نونٌ وعينَ " سيناء " ياء .
كذا قال بعضُهم . وفيه نظرٌ ؛ إذ لقائلٍ أَنْ يقولَ : لا نُسَلِّم أن عينَ " سيناء " ياءٌ ، بل هي عينُها نونٌ وياؤُها مزيدةٌ ، وهمزتُها منقلبةٌ عن واوٍ كما قُلِبت السَّناء ، ووزنها حينئذٍ فِيْعال ، وفِيْعال موجودٌ في كلامِهم كمِيْلاع وقِيْتال مصدرُ قاتلَ .
قوله " تنبُتُ " قرأ ابن كثير وأبو عمرو ، " تُنْبِتُ " بضمِّ التاءِ وكسرِ الباءِ . والباقون بفتح التاء وضم الباء . فأمَّا الأولى ففيها ثلاثةٌ أوجهٍ ، أحدُها : أنَّ " أنبت " بمعنى نَبَتَ فهو مما اتَّفق فيه فَعَل وأَفْعَل وأنشدوا لزهير :
رأيتُ ذوي الحاجات عند بيوتهِم *** قَطِيْناً لها حتى إذا أَنْبَتَ البقلُ
أي : نبت ، وأنكره الأصمعي ، الثاني : أنَّ الهمزةَ للتعديةِ ، والمفعولَ محذوفٌ لفهم المعنى أي : تُنْبِتُ ثمرَها أو جَناها . و " بالدهن " أي : ملتبساً بالدهن . الثالث : أنَّ الباءَ مزيدةٌ في المفعولِ به كهي في
{ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ }
[ البقرة : 195 ] وقولِ الشاعر :
3410 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** سُوْدُ المَحاجرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
نَضْربُ بالسَّيْفِ ونرْجُو بالفَرَجْ ***
وأما القراءةُ الأخرى فواضحةٌ ، والباءُ للحال من الفاعل أي : ملتسبةً بالدُّهْن ، يعني : وفيها الدهن .
وقرأ الحسن والزهري وابن هرمز " تُنْبِتُ " مبنياً للمفعول ، مِنْ أنبتها الله . و " بالدهن " حالٌ من القائمِ مقامَ الفاعلِ أي : ملتسبةً بالدهن .
وقرأ زر بن حبيش " تُنْبِتُ الدُّهْنَ " مِنْ أَنْبَتَ ، وسقوطُ الباء هنا يَدُلُّ على زيادتها في قراءة مَنْ أثبتها . والأشهب وسليمان بن عبد الملك " بالدِّهان " وهو جمع دُهْن كرُمْح ورِماح . وأمَّا قراءة أُبَي " تُثْمر " ، وعبد الله " تَخْرج " فتفسيرٌ لا قراءةٌ لمخالفة السواد .
والدُّهْنُ : عُصارة ما فيه دَسَمٌ . والدَّهْن بالفتح المَسْح بالدُّهن مصدرٌ دَهَن يَدْهُنُ ، والمُداهَنَةُ مِنْ ذلك ؛ كأنه يَمْسَح على صاحبه ليقِرَّ خاطرُه .
قوله : { وَصِبْغٍ } العامَّةُ على الجرِّ نَسَقاً على " بالدُّهْن " . والأعمش " وصبغاً " بالنصبِ نَسَقاً على موضع " بالدُّهْن " كقراءةِ " وأَرْجلَكم " في أحدِ محتملاته ، وعامر بن عبد الله " وصِباغ " بالألف ، و كانت هذه القراءةُ مناسبةً لقراءةِ مَنْ قرأ " بالدِّهان " . والصَبْغ والصِّباغ كالدَّبْغ والدِّباغ وهو اسمُ ما يُفْعل به . وللآكلين " صفةٌ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.