{ 37 } { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ }
{ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ } [ أي ] يوم القيامة من شدة الأهوال ، وكثرة البلبال ، وترادف الأوجال ، فانخسفت شمسها وقمرها ، وانتثرت نجومها ، { فَكَانَتْ } من شدة الخوف والانزعاج { وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } أي : كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك جانبا من أهوال يوم القيامة ، ومن العذاب الذى يحيط بالمجرمين ، وينزل بهم ، فقال - تعالى - : { فَإِذَا انشقت . . . } .
جواب " إذا " فى قوله - سبحانه - : { فَإِذَا انشقت السمآء فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان } محذوف لتهويل أمره . . .
وقوله - سبحانه - : { فَكَانَتْ وَرْدَةً } تشبيه بليغ ، أى : فكانت كالوردة فى الحمرة .
والوردة جمعها ورود ، وهى زهرة حمراء معروفة ذات أغصان شائكة . والدهان : ما يدهن به الشىء . . . أى : فإذا انشقت السماء ، فصارت حين انشقاقها وتصدعها ، كالوردة الحمراء فى لونها ، وكالدهان الذى يدهن به الشىء فى ذوبانها وسيلانها ، رأيت ما يفزع القلوب ، ويزلزل النفوس من شدة الهول .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً } وقوله - سبحانه - : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة وانشقت السمآء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل وَتَكُونُ الجبال كالعهن وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً }
ومن هنا إلى نهاية السورة تبدأ مشاهد اليوم الآخر . مشهد الانقلاب الكوني يوم القيامة . وما يعقبه من مشاهد الحساب . ومشاهد العذاب والثواب .
ويبدأ استعراض هذه المشاهد بمشهد كوني يتناسب مع مطالع السورة ومجالها الكوني :
( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) .
وردة حمراء ، سائلة كالدهان . . ومجموع الآيات التي وردت في صفة الكون يوم القيامة تشير كلها إلى وقوع دمار كامل في هذه الأفلاك والكواكب ، بعد انفلاتها من النسق الذي يحكمها الآن ، وينسق بين مداراتها وحركاتها . منها هذه الآية . ومنها : ( إذا رجت الأرض رجا ، وبست الجبال بسا ، فكانت هباء منبثا ) . .
ومنها : ( فإذا برق البصر ، وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر ) . . ومنها : ( إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت ، وإذا الجبال سيرت . وإذا العشار عطلت . وإذا الوحوش حشرت . وإذا البحار سجرت ) . .
ومنها : ( إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت . وإذا البحار فجرت ) . . ومنها : ( إذا السماء انشقت ، وأذنت لربها وحقت . وإذا الأرض مدت ، وألقت ما فيها وتخلت ، وأذنت لربها وحقت ) . . وهذه وغيرها تشير إلى ذلك الحادث الهائل الذي سيقع في الكون كله . ولا يعلم حقيقته إلا الله . .
يقول [ تعالى ] {[27897]} : { فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ } يوم القيامة ، كما دلت عليه هذه الآية مع ما شاكلها من الآيات الواردة في معناها ، كقوله : { وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } [ الحاقة : 16 ] ، وقوله : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنزلَ الْمَلائِكَةُ تَنزيلا } [ الفرقان : 25 ] ، وقوله : { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ، 2 ] .
وقوله : { فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } أي : تذوب كما يذوب الدّرْدي والفضة في السبك ، وتتلون كما تتلون الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء ، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم . وقد قال الإمام أحمد :
حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء ، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي ، حدثنا أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث الناس يوم القيامة والسماء تَطِش عليهم " {[27898]} .
قال الجوهري : الطش : المطر الضعيف .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } ، قال : هو الأديم الأحمر . وقال أبو كُدَيْنة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } : كالفرس الورد . وقال العوفي ، عن ابن عباس : تغير لونها . وقال أبو صالح : كالبِرْذَون الورد ، ثم كانت بعد كالدهان .
وحكى البَغَوي وغيره : أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء ، وفي الشتاء حمراء ، فإذا اشتد البرد اغْبَرَّ لونها .
وقال الحسن البصري : تكون ألوانا . وقال السدي . تكون كلون البغلة الوردة ، وتكون كالمهل كدردي الزيت . وقال مجاهد : { كَالدِّهَان } : كألوان الدهان . وقال عطاء الخراساني : كلون دُهْن الوَرْد في الصفرة . وقال قتادة : هي اليوم خضراء ، ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان . وقال أبو الجوزاء : في صفاء الدهن . وقال [ أبو صالح ]{[27899]} بن جريج : تصير السماء كالدهن الذائب ، وذلك حين يُصيبها حر جهنم .
جواب «إذا » محذوف مقصود به الإبهام ، كأنه يقول : { فإذا انشقت السماء } فما أعظم الهول ، وانشقاق السماء انفطارها عند القيامة . وقال قتادة : السماء اليوم خضراء وهي يوم القيامة حمراء ، فمعنى قوله : { وردة } أي محمرة كالوردة وهي النوار المعروف . وهذا قول الزجاج والرماني . وقال ابن عباس وأبو صالح والضحاك : هي من لون الفرس الورد ، فأنث لكون { السماء } مؤنثة .
واختلف الناس في قوله : { كالدهان } فقال مجاهد والضحاك : هو جمع دهن ، قالوا وذلك أن السماء يعتريها يوم القيامة ذوب وتميع من شدة الهول . وقال بعضهم : شبه لمعانها بلمعان الدهن . وقال جماعة من المتأولين الدهان : الجلد الأحمر ، وبه شبهها ، وأنشد منذر بن سعيد : [ الطويل ]
يبعن الدهان الحمر كل عشية . . . بموسم بدر أو بسوق عكاظ{[10836]}
تفريع إخبار على إخبار فرع على بعض الخبر المجمل في قوله : { سنفرغ لكم أيها الثقلان } [ الرحمن : 31 ] إلى آخره ، تفصيل لذلك الإجمال بتعيين وقته وشيء من أهوال ما يقع فيه للمجرمين وبشائر ما يعطاه المتّقون من النعيم والحبور .
وقوله : { فكانت وردة } تشبيه بليغ ، أي كانت كوَرْدة .
والوَرْدَة : واحدة الورد ، وهو زهر أحمر من شجرة دقيقة ذات أغصان شائكة تظهر في فصل الربيع وهو مشهور . ووجه الشبه قيل هو شدة الحمرة ، أي يتغير لون السماء المعروف أنه أزرق إلى البياض ، فيصير لونها أحمر قال تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] . ويجوز عندي : أن يكون وجه الشبه كثرة الشقوق كأوراق الوردة .
والدهان ، بكسر الدال : دردي الزيت . وهذا تشبيه ثان للسماء في التموج والاضطراب .