الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ} (37)

قوله : { فَإِذَا انشَقَّتِ } : جوابُه مقدرٌ أي : رأيت هَوْلاً عظيماً ، أو كان ما كان .

قوله : { وَرْدَةً } أي : مثلَ وَرْدَةٍ فقيل : هي الزهرة المعروفة التي تُشَمُّ ، شَبَّهها بها في الحُمْرة ، وأنشد :

فلو كُنْتُ وَرْداً لَوْنُه لعَشِقْنَني *** ولكنَّ ربي شانَني بسَواديا

وقيل : هي من لَوْنِ الفَرَسِ الوَرْد ، وإنما أُنِّثَ لكونِ السماءِ مؤنثةً . وقال الفراء : " أراد لونَ الفرسِ الوَرْدِ ، يكون في الربيع إلى الصفرة ، وفي الشتاء إلى الحُمْرة ، وفي اشتدادِ البَرْدِ إلى الغُبْرة ، فشبَّه تلوُّنَ السماءِ بتلَوُّنِ الوَرْدَةِ من الخيل " . وقرأ عبيد بن عمير " وَرْدَةٌ " بالرفع . قال الزمخشري : " بمعنى : فَحَصَلَتْ سماءٌ وردةٌ ، وهو من الكلام الذي يُسَمَّى التجريدَ ، كقوله :

فَلَئِنْ بَقِيْتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوةٍ *** تَحْوِي الغنائمَ أو يموتَُ كريمُ

قوله : { كَالدِّهَانِ } يجوز أن يكونَ خبراً ثانياً ، وأَنْ يكونَ نعتاً لوردة . وأَنْ يكونَ حالاً من اسم " كانت " . وفي " الدِّهان " قولان ، أحدُهما : أنه جمعُ دُهْن نحو : قُرْط وقِراط ، ورُمْح ورِماح ، وهو في معنى قوله :

{ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ } [ المعارج : 8 ] .

وهو دُرْدِيُّ الزَّيْتِ . والثاني : أنه اسمٌ مفردٌ ، فقال الزمخشري : " اسمُ ما يُدْهَنُ به كالجِزام والإِدام وأنشد :

كأنَّهما مَزادَتا مُتَعَجِّلٍ *** فَرِيَّانِ لَمَّا تُدْهَنا بدِهان

/ وقال غيرُه : هو الأديمُ الأحمرُ ، وأنشد للأعشى

وأَجْرَدَ مِنْ كِرامِ الخَيْلِ طِرْفٍ *** كأنَّ على شَواكِله دِهانا

أي : أديماً أحمرَ ، وهذا يَحْتمل أنْ يكونَ جمعاً . ويؤيِّده ما أنشده منذرُ بنُ سعيد :يَبِعْنَ الدِّهانَ الحُمْرَ كلَّ عَشِيَّةٍ *** بموسِمِ بَدْرٍ أو بسُوْقِ عُكاظِ

فقوله " الحُمْرَ " يؤيِّدُ كونَه جمعاً ، وقد يُقال : هو كقولِهم : " أهلك الناسَ الدينارُ الحُمْرُ والدرهمُ البِيْضُ " ، إلاَّ أنَّه خِلافُ الأصلِ . وقيل : شُبِّهَتْ بالدِّهانِ ، وهو الزَيْتُ لذَوْبِها ودَوَرانِها ، وقيل : لبَريقِها .