فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ} (37)

{ فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان( 37 )فبأي ءالاء ربكما تكذبان( 38 )فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان( 39 )فبأي ءالاء ربكما تكذبان( 40 ) } .

يوم إذ تجيء القارعة الحاقة الصاخة الطامة تتشقق السماء ، وتتمزق وتسقط ويحمر لونها كدهن الزيت أو الأديم الأحمر ، عندئذ يكون ما يكون ، من الهول الذي لم تكونوا تحتسبون ؛ فهل تزدجرون وتعتبرون بما جاءكم من النذر-وفي التحذير من الشر لطف كبير ونعمة-وحينئذ لا تكلم نفس إلا بإذن ربها { هذا يوم لا ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون }{[6094]} ؛ أو لم يعمرهم الحكم العدل ما يتذكر فيه من تذكر ، وجاءتهم رسلهم بالبينات { . . وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }{[6095]} ، فبأي نعم ربك تماري وتجادل ؟ ! .

[ وقال الماوردي : وزعم المتقدمون أن أصل لون السماء الحمرة ، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق ، . . قوله تعالى { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } هذا مثل قوله تعالى { . . ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون }{[6096]} وأن القيامة مواطن لطول ذلك اليوم ، فيسأل في بعض ولا يسأل في بعض . . . وعن الحسن ومجاهد أيضا : المعنى لا تَسْأَلُ الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم ، دليله ما بعده . . وقاله مجاهد وابن عباس ؛ وعنه أيضا في قوله تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين }{[6097]} وقوله : { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } وقال : لا يسألهم ليعرف ذلك منهم ، لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكنه يسألهم لم عملتموها ؟ سؤال توبيخ . . . وقال قتادة : كانت المسألة قبل ، ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت الجوارح شاهدة عليهم ]{[6098]} .

في صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال : ( هل تدرون مم أضحك ) ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم قال : ( من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بُعْداً لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل )أخرجه أيضا من حديث أبي هريرة . وفيه ( ثم يقال الآن نبعث عليك شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه{[6099]} وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه ) .


[6094]:سورة المرسلات.الآيتان:36،35.
[6095]:سورة العنكبوت. من الآية40.
[6096]:سورة القصص.من الآية 78.
[6097]:سورة الحجر الآية 92.
[6098]:مما نقل القرطبي.
[6099]:ليعذر من نفسه: على الفاعل من الإعذار، والمعنى: ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه، ولشهادة أعضائه عليه بحيث لم يبق له عذر [هامش مسلم].