المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

114- فاستجاب لهم عيسى وقال : يا ربنا ومالك أمرنا ، أنزل علينا مائدة من السماء يكون يوم نزولها عيداً للمؤمنين منا ، المتقدمين والمتأخرين ، ولتكون معجزة تؤيد بها دعوتك ، وارزقنا رزقاً طيباً ، وأنت خير الرازقين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

فلما سمع عيسى عليه الصلاة والسلام ذلك ، وعلم مقصودهم ، أجابهم إلى طلبهم في ذلك ، فقال : { اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ } أي : يكون وقت نزولها عيدا وموسما ، يتذكر به هذه الآية العظيمة ، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين .

كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته ، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة ، وفضله وإحسانه عليهم . { وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ } أي : اجعلها لنا رزقا ، فسأل عيسى عليه السلام نزولها وأن تكون لهاتين المصلحتين ، مصلحة الدين بأن تكون آية باقية ، ومصلحة الدنيا ، وهي أن تكون رزقا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

ثم حكى - سبحانه - ما تضرع به عيسى بعد أن سمع من الحواريين ما قالوه في سبب طلبهم لنزول المائدة من السماء فقال - تعالى - { قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللهم رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وارزقنا وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين } .

وقوله : { اللهم } أي : يا الله . فالميم المشددة عوض عن حرف النداء ، ولذلك لا يجتمعان . وهذا التعويض خاص بنداء الله ذي الجلالة والإِكرام .

وقوله : { عيدا } أي سرورا وفرحا لنا ، لأن كلمة العيد تستعمل بمعنى الفرح والسرور .

قال القرطبي : والعيد واحد الأعياد . أصله من عاد يعود أي : رجع وقيل ليوم الفطر والأضحى عيد ، لأنهما يعودان كل سنة . وقال الخليل : " العيد كل يوم يجمع الناس فيه كأنهم عادوا إليه ، وقال ابن الانباري : سمعى عيدا للعود إلى المرح والفرح فهو يوم سرور " .

والمعنى : قال عيسى بضراعة وخشوع - بعد أن سمع من الحواريين حجتهم - { اللهم رَبَّنَآ } أي : يا الله يا ربنا ومالك أمرنا ، ومجيب سؤالنا . أتوسل إليك أن تنزل علينا { مَآئِدَةً مِّنَ السمآء } أي : أطعمة كائنة من السماء هذه الأطعمة { تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا } أي : يكون يوم نزولهاه عيدا نعظمه ونكثر من التقرب إليك فيه نحن الذين شاهدناها ، ويكون - أيضاً - يوم نزولها عيداً وسروراً وبهجة لمن سيأتي بعدنا ممن لم يشاهدنا .

قال ابن كثير . قال السدي : أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا . وقال سفيان الثوري : يعني يوما نصلي فيه . وقال قتادة : أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم . وقال سلمان الفارسي : تكون عظة لنا ولمن بعدنا .

وقوله : { وَآيَةً مِّنْكَ } معطوف على قوله { عيداً } .

أي : تكون هذه المائدة النازلة من السماء عيداً لأولنا وآخرنا ، وتكون أيضاً - دليلا - وعلامة منك - سبحانك - على صحة نبوتي ورسالتي ، فيصدقوني فيما أبلغه عنك ، ويزداد يقينهم بكمال قدرتك .

وقوله : { وارزقنا وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين } تذييل بمثابة التعليل لما قبله . أي : أنزلها علينا يا ربنا وأزرقنا من عندك رزقنا هنيئا رغداً ، فإنك أنت خير الرازقين ، وخير المعطين ، وكل عطاء من سواك لا يغني ولا يشبع .

وقد جمع عيسى في دعائه بين لفظي " اللهم ربنا " إظهاراً لنهاية التضرع وشدة الخضوع ، حتى يكون تضرعه أهلا للقبول والإِجابة .

وعبر عن مجيء المائدة بالإنزال من السماء للإِشارة إلى أنها هبة رفيعة ، ونعمة شريفة ، آتية من مكان عال مرتفع في الحسن والمعنى ، فيجب أن تقابل بالشكر لواهبها - عز وجل - وبتمام الخضوع والإِخلاص له .

وقوله { تَكُونُ لَنَا عِيداً } صفة ثانية لمائدة ، وقوله { لنا } خبر كان وقوله { عيداً } حال من الضمير في الظرف .

قال الفخر الرازي : تأمل في هذا الترتيب ، فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضا ، فقدموا ذكر الأكل فقالوا { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } وأخروا الأغراض الدينية الروحانية .

فأما عيسى فإنه لما ذكر المائدة وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية وأخر غرض الأكل حيث قال : { وارزقنا } وعند هذا يلوح لك مراتب درجات الأرواح في كون بعضها روحية ، وبعضها جسمانية .

ثم إن عيسى لشدة صفاء دينه لما ذكرالرزق انتقل إلى الرازق بقوله { وارزقنا } لم يقف عليه : بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال : { وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين } فقوله : { ربنا } ابتداء منه بذكر الحق . وقوله { أَنزِلْ عَلَيْنَا } انتقال من الذات إلى الصفات .

وقوله { تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا } إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة ، بل من حيث إنها اصدرة من المنعم .

وقوله : { وَآيَةً مِّنْكَ } إشارة إلى كون هذه المائدة دليلا لأصحاب النظرو الاستدلال .

وقوله : { وارزقنا } إشارة إلى حصة النفس .

ثم قال الإِمام الرازي : فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلا إلى الأدون فالأدون .

ثم قال : { وَأَنتَ خَيْرُ الرازقين } وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق ، ومن غير الله إلى الله ، وعند ذلك تلوح لك سمة من كيفية عروج الأرواح المشرقة النورانية إلى الكمالات الإِلهية ونزولها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

عندئذ اتجه عيسى - عليه السلام - إلى ربه يدعوه :

( قال عيسى ابن مريم : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ، وآية منك ، وارزقنا وأنت خير الرازقين ) . .

وفي دعاء عيسى - بن مريم - كما يكرر السياق القرآني هذه النسبة - أدب العبد المجتبي مع إلهه ومعرفته بربه . فهو يناديه : يا الله . يا ربنا . إنني أدعوك أن تنزل علينا مائدة من السماء ، تعمنا بالخير والفرحة كالعيد ، فتكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا ؛ وأن هذا من رزقك فارزقنا وأنت خير الرازقين . . فهو إذن يعرف أنه عبد ؛ وأن الله ربه . وهذا الاعتراف يعرض على مشهد من العالمين ، في مواجهة قومه ، يوم المشهد العظيم !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

{ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا } قال السُّدِّي : أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نعظمه نحن وَمَنْ بعدنا ، وقال سفيان الثوري : يعني يومًا نصلي فيه ، وقال قتادة : أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم ، وعن سلمان الفارسي : عظة لنا ولمن بعدنا . وقيل : كافية لأولنا وآخرنا .

{ وَآيَةً مِنْكَ } أي : دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء ، وعلى إجابتك دعوتي ، فيصدقوني فيما أبلغه عنك { وَارْزُقْنَا } أي : من عندك رزقًا هنيئًا بلا كلفة ولا تعب { وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ } .

/خ115

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّـٰزِقِينَ} (114)

{ اللهم ربنا انزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا } أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه . وقيل العيد السرور العائد ولذلك سمي يوم العيد عيدا . وقرئ " تكن " على جواب الأمر . { لأولنا وآخرنا } بدل من لنا بإعادة العامل أي عيدا لمتقدمينا ومتأخرينا . روي : أنها نزلت يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيدا . وقيل يأكل منها أولنا وآخرنا . وقرئ " لأولانا وأخرانا " بمعنى الأمة أو الطائفة . { وآية } عطف على عيدا { منك } صفة لها أي آية كائنة منك دالة على كمال قدرتك وصحة نبوتي . { وارزقنا } المائدة والشكر عليها . { وأنت خير الرازقين } أي خير من يرزق لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا عوض .